العائلة مسؤولية وطنية-
كلمة الوزير السابق د. سليم الصايغ في مؤتمر مركز يوحنا بولس الثاني
22-10-2012
هو عنوان يستحضر فورا
دور الدولة في التعامل مع العائلة بشكل عام، لذلك نركّز على العائلة كمسؤولية عامة
من قبل الوطن – دولة وشعبا ومجتمعا مدنيا – إنطلاقا من موقع ودور العائلة في
المجتمعات الحديثة، على خلفية نظرية الجندر. من هنا المقاربة بحسب نقطتين:
1 موقع ودور
العائلة في المجتمعات الحديثة
2 المسؤولية
العامة تجاه العائلة
أولا: موقع ودور
العائلة:
لقد قلنا في الميثاق
الاجتماعي عندما كنا في سدة المسؤولية "أن العائلة هي الخلية الأولى في
المجتمع، ويؤسسس تماسكها لتماسك المجتمع، فهو المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تبدأ
بها عملية التنشئة على الأخلاقيات والقيم الإجتماعية، وعبرها نتلقى الموروث
الثقافي ونتدرّب فيها على المسؤولية، ما يحمينا من روح التفرّد أو طغيان الجماعة.
وعبرها من روح التفرد أو طغيان الجماعة. فالعائلة هي مرجعية الانسان الفرد، ولها
الأفضلية على المجتمع بحيث لا يستطيع المجتمع أن ينتزع منها ما تستطيع أن تفعله
بمفردها. فحق العائلة حق مقدّس على الدولة أن تدعمها وتساعدها للقيام بواجباتها،
فهي بمثابة الحضن الآمن للضعفاء من مسنين وأطفال ومعوقين، بحيث لا تتدخل الدولة
إلا في حالات انتهاك حقوق هذه الفئات، فيأتي تدخلها واجبا لحماية الإنسان باعتباره
قيمة مطلقة بحد ذاتها ". هذا ما اتفقنا عليه في لبنان وهو يشكل نموذجا في
تقاطع وجهات النظر ومنطلقا للسياسات الاجتماعية.
إن معطى موقع العائلة
المبدأي في مجتمعاتنا قد تعرض وما زال يتعرَض للاهتزاز ودونه الكثير من من
التحديات – التهديد الثقافي، التهديد الاقتصادي، التهديد الديمغرافي، التفكك
الأسري، الضغط النفسي.والحضارة الحديثة على مبدأ : الوحدة وعدم الذوبان.
بأهمية القيمة الأساسية
التي تمثلها العائلة إلا أنه لا بد من إعادة تركيز هذا المفهوم في الواقع المتطور
أبدا تحت شعار الحداثة ومعها نظرية الجندرة. لا بد إذا من الرجوع الى مفهوم الأسرة
والعائلة القيمي – من حق الكينونة الى إمكانية الصيرورة.
إن المطلوب إخراج
العائلة من المقاربة النفعية وإدخالها الى مقاربة المنفعة، وإخراجها من الحتمية
الاقتصادية وإدخالها الى حتمية الإرتقاء، فلا تحجّر عقائدي يعقّم فكرة المردودية
إقتصادية كانت أن إجتماعية بسبب وجود العائلة، ولا انفلات قيمي يدخل العائلة في
الاستنساب الثقافي والانحلال الأخلاقي. وهذا ما أشار اليه الطوباوي يوحنا بولس
الثاني (1994) ، فعنده أن الخيار يجب
أن يكون حاسما ومحسوما بين حضارة المحبة في العالم وحضارة النفعية والإنتاج.
فالنفعية حضارة الانتاج والانتاج حضارة الأشياء لا حضارة الأشخاص، حضارة يستخدم
فيها الأشخاص كما تستخدم الأشياء. ففي حضارة الإنتاج قد تصبح المرأة لأداة،
والأبناء مجلبة ازعاج للوالدين والأسرة مؤسسة عرقلة لحرية أفرادها". وأضيف،
تصبح الجندرة قاعدة الاستنثاء، واستثناء القاعدة.
فإذا
حددنا الموقع المركزي للعائلة ضمن المجتمع، فلا بد أن نفضل الأدوار المتعددة
للأسرة، مستلهمين ما كتبه المطران بولس مطر في هذا المجال، وقد حدّد الأدوار
بأربعة، نأخذها على عاتقنا لنزيد عليها دورا خامسا.
الدور الأول: "إن
العائلة شركة أشخاص تبنى على الحب والتعاون، فهو حب لا شرط فيه ولا دعوة منه. إن
الانسان المتمكّن القادر على التخطي هو الانسان الذي ينمو على هذه الأشياء في
بيته. إن نموذج المحبة والحب هو أفضل وسيلة. أفضل جسر يعبر عليه الفرد الى الجماعة
ويتحول هكذا الى كائن إجتماعي. إن اختلال هذه الشركة يؤدي الى الى التفتيش عن
الذات وعن الآخر عبر نماذج أخرى، غير النموذج الحضاري المبني على الوحدة ومنع
الذوبان".
الدور الثاني:
"الأسرة خادمة للحياة"
ففي كنفها ينمو الانسان
وينشأ ومنها يتم إشباع حاجاته من مأكل وملبس، ومسكن فضلا عن الحب والرعاية، وصولا
الى حاجاته النفسية والاجتماعية. ففي كنف الأسرة كذلك يطمئن الطفل، ويرتاح المسن
وبقدر تماسكها، تشتد العزيمة بوجه التحديات يتماسك المجتمع".
الدور الثالث: الأسرة
مساهمة في تطوير المجتمع من طراوة عيش وبناء الفسحة المشتركة.
إن تمتع أفراد الأسرة
بحرياتهم الفردية وممارستهم لها ضمن المجال الأسري عينه يؤدي الى بروز أنماط عيش
قوامها التسامح والاعتراف بالآخر وبخصوصيته والقبول باختلافه وتفضي الى ترسيخ
المجتمع التعاقدي. وبالتالي فإن تنمية ثقافة الحوار داخل الأسرة يتبر مدخلا مهما
لتحسين إدراك الأسرة حول أهمية الحوار في النمو المعرفي والعاطفي وفي تنمية قدرات
الأطفال وفي الشراكة بين كافة الأطراف في الأسرة.
وبالتالي فإن ثقافة
الحوار تستوجب احترام شرطينحدين:
الحد الأول، وهو إعطاء
المجال من وقت وعناية لبناء فسحة الحوار ضمن العائلة.
الحد الثاني، وهو تطبيق
قانون مكافحة العنف الأسري بحيث يكون القانون الوسيلة هنا للاستنبات الثقافي في ما
بعد. ولكن ذلك لا يكفي إذ إن الاستنبات الثقافي يستوجب كذلد التعامل بشكل متساو
ولكن غير مماثل بين الجنسين.
الدور الرابع: إن
الانسانية تبدأ وتتجدد في كل جزء منها، وأصغر جزء منها يحمل خصائصها كلها، فالجزء
هنا يحتي على الكل، كما أن الل لا يتمل إلا بكل الأجزا. وبالتالي فإن الانسان
الفرد والأسرة التي ينتمي اليها هي مصغّر عن اتلانسانية بآمالها وطموحاتها, تحمل
الكرامة التي لا تتجزأ أو تنتق أو تجيّر أو تجلّد أو تحوّل كحقيقة ثابتة، من دونها
يفقد الانسان صفات الانسانية، ويجرّد هكذا مندرجاتها الحقوقية، أو أقله وفي أحسن
الأحوال، تصبح المندرجات حقائق تعاقدية بين الناس من دون شكرة حقيقية مع مفهوم
الكرامة.
إن كل عقد يضرب مفهوم
الكرامة هو باطل، وهذا حد حضاري ورد حضاري، ومبدأ حضاري، لحماية الإنسان من
إمكانية تجريده من طبيعته الانسانية. إن حصانة الإنسان القانونية تأتي حتما من
الدولة والتشريع، إنما حصانته المعنوية والنفسية فهي من انتمائه العائلي، بما
تمنحه الأسرة من حب ورعاية ومكانة وأمن.
إن الطفل المترعرع في
عائلة مكونة من أهل من نفس الجنس معرّض لفقدان حصانته المعنوية والنفسية، وهذا ما
يعرّض العائلة لاهتزاز ولعدم الاستقرار.
الدور الخامس: العائلة
والهوية الوطنية:
نحن نعيش عصر الهيات
المركبة، فنحيا في انتماء متعدد لنطرح عبره إشكالية الولاء الغامض. وبالتالي، فإن
حل معضلات الولاء والانتماء يكون بطرح أصول وفصول بلورة الشخصية الاجتماعية للفرد
التي تؤسس لانبثقا الشخصية الوطنية في مداها الثفافي وفضائها السياسي. وإلا
فالغموض السياسي بسبب الجندرة يولد الغموض في النفحة على المستوى الوطني. من هنا
تبرز العائلة كبيئة حاضنة للفرد في مشروع التخطي الدائم نحو الجماعة وفي المجتمع،
وبالتالي نحو الوطن.
إن ثقافة الحوار في
العائلة لا تكتمل إلا باستنباط آليات تشاركية للقرار داخل العائلة. بحيث يلعب
الطفل والأم وكذلك الأب والاخوة دورا برلمانيا على أساس المساواة. إن القرار
الديمقراطي داخل الأسرة يزرع بذور العقلية الديمقراطية في التعاطي مع الآخر، وهذا
ما يؤسس لمجتماعت حاضنة لأوطان لا تكتمل صفاتها بعد اليوم، وإلا لم تعطِ للإنسان
كامل حقوقه السياسية والمدنية والاجتماعية والاتقتصادية، وبالتالي لا تكتمل إلا
بالديمقراطية. إن القرار بالاختلاف يكون بالنسبة لماذا؟ سقوط تالمعايير – القاعدة
هو الجنس والاختلاف بينهما.
وهكذا عندما تكون
العائلة المحصنة بؤرة للحرية والديمقراطية وخميرتها الكرامة الانسانية، يصبح
الانتماء إليها جزءا من الانتماء الى الوطن والدولة السامية لتنمية الانسان كل
الانسان، هو نتيجة حتمية تربط الانتمائين للعائلة وللإنسانية.
فكما أن العائلة
المحصّنة أصبحت معطى قائما، مدعوما ولو مفصولا عن المردودية الاقتصادية
والاجتماعية، كذلك الوطن أصبح معطى قائما مدعوما ولو منفصلا عن الدور الذي تلعبه
الدولة في حماية وتمكين الانسان، وللتاطي مع هذين المععطيين من دون تناقض بينهما،
وجب تطوير مفاهيمها عمليا عبر أنسنة الأسرة وأسرتة الوطن.
ثانيا: المسؤولية
العامة تجاه العائلة:
وهنا تيرز أهمية تعزيز
دور العائلة وحماية موقعها:
بالميثاق الإجتماعي
أولا،
وبالسياسة الاجتماعية
الهادفة ثانيا،
وبخطط عمل واضحة ثالثا.
في المجتمع التعددي،
حيث توجد عدة مفاهيم للعائلة وجب احترام خصوصية العائلة على اساس الوحدة وعدم
الذوبان، واحترام قانون الأحوال الشخصية من حيث الزواج والإرث والرعاية = المساواة
والعدل، التربية على السلام والديمقراطية والحوار والمواغطنة، تطبيق قانون مكافحة
العنف الأسري، وكذك تطبيق كل الاتفاقات الدولية المتعلقة بالطفولة، حماية العائلة
من الفقر، واعتبار تماسكها مصدر غنى وليس مصدر فقر، وضع سياسات سكانية تساعد على
الملكية الفردية، فالمسكن هو سقف العائلة، وفي جدرانه تبنى ذاكرة الأجيال، وضع
سياسات أمان إجتماعية عبر شبكات تضع العائلة كمؤسسة، فضلا عن الفرد، في صلب تنمية
التماسك الاجتماعي، وإعطاء الأفضلية مثلا لرعاية المعوق ضمن العائلة، واحتضان
المسن ضمن بيته وأسرته، تماما كما كنا قد بدأنابمشروع الفقر واستهداف الأسر الأكثر
فقرا، وليس الأفراد الأكثر فقرا لأن في ذلك فعالية واضحة من جهة، ولأن في ذلك
تعزيز لقيمة العائلة وموقعها المركزي في المجتمع.
كذلك ندعو الى أن تكون
رعاية الأيتام أساسا ضمن العائلة وعند الضرورة بالشراكة مع المؤسسات الأهلية
والقطاع الخاص، لأن في ذلك قيمة فضلى واضحة من جهة، ومن جهة أخرى لأن في ذلك إيقاف
للهدر الاجتماعي الذي يضرب سوء التنسيق بين الدولة والمؤسسات والعائلة.
كذلك، فإن التنمية
الحقيقية للريف، فضلا عن قيمته المطلقة، فيها تحصينا وتجذيرا للإنسان في بيئته
التي ترعرع فيها، وبالتالي يكون الحق بالعمل، حقا بالعمل في البيئة الأصلية،
فضلا
عن ذلك، فإن التنمية الريفية تساهم في إبعاد الضغط عن المدينة وتحد من الهجرة
الإجتماعية، ونحن نعتقد أن أفضل وسيلة لإنعاش الريف تكون عبر محورين: فرص العمل
والإبقاء على المسنين في بيوتهم الريفية.
هكذا يكون لدينا رعاية
بالشراكة تمكّن الانسان وتمكذن العائلة بشراكة بين القطاع الأهلي والقطاع الخاص
والقطاع العام.
وفي الختام، ومع
الميثاق الذي وضعناه، عن أهمية التضامن الاجتماعي كمبدأ لأي تعاقد إجتماعي، فنقول:
"نستطيع أن نقدّم للعالم نموذجا عن كيفية تعزيز الانتاجية والربحية والمردود
الاجتماعي عن النشاط الاقتصادي، وذلك على أساس القيمة الاجتماعية الأصلية وليس
القيمة الاقتصادية المضافة إجتماعيا، وعن كيفية إفساح المجال أمام المجتمع المدني
ليكون شريكا حقيقيا للدولة، يعمل معها وليس ضدها، يعزز دورها ويفيدها كما يستفيد
منها.
هكذا يتحقق التضامن
الاجتماعي، حيث للعائلة دورها الأساسي في تأمين البيئة الملائمة لنمو الانسان
وتربيته على هذا المبدأ وتمكينه من الدخول في علاقات إجتماعية سوية، حيث يتم في
كنفها تألق الفرد بعيدا عن طغيان الجماعة.
وكما أن العائلة هي في
خدمة الفرد الانسان وتساهم في نموه الخلاق، فعلى الدولة أن تعمل على خدمة هذه
العائلة وتساهم في تنميتها وحمايتها."
___