معادلات الحضور الماروني
مقال الوزير السابق د. سليم الصايغ في مناسبة عيد مار مارون 2013
في عيد مار مارون هذه السنة ما تستسيغ له الطباع المارونية، لأن فيها طبيعة تعشق التحدي الوجودي وروح تطلب التخطي الحضاري. وبين الطبيعة والروح تولد معادلات تتحكم برسالته المسيحية في لبنان وهي عشرة:
المعادلة الأولى: من الوجود الى الحضور
يتم تمكين المسيحيين من خلال النظام السياسي عبر التثبيت والتفاعل ويكون التثبيت في المواطنة التي تكفل الوجود على أساس العدالة والمساواة عبر منظومة الحقوق الفردية. ويكون التفاعل في تأمين الحقوق الجماعية للمسيحيين كمكوّن متميّز ذو دور فاعل وضروري لتألق بقية المكونات ولتحديد هوية الوطن. من دون هذا الحضور يخسر الدور ليبقى للمسيحيين مجرد الوجود.
المعادلة الثانية: الحضور والحق
لا يبنى الحضور إلا على الحق، والمسيحية لا تقوم إلا على الحقيقة، الحقيقة المطلقة بالعلاقة مع الخالق، والحقيقة المتجسدة بالعلاقة مع الواقع. فيكون الدور المسيحي محصنا بالدساتير والقوانين ومحسنا بإشهار الحق والشهادة للحقيقة. ومن الحق تتألق الحرية والتحرر للجماعة للإنسان.
المعادلة الثالثة: الحضور والعدالة:
يتطلّب بلوغ الحقيقة العلم وتخطيه الى المعرفة فالحكمة. وفي الحقيقة عدالة حيث يتم إحقاق الحق، في المساءلة والمعاقبة والتعويض. إنما العدالة كذلك ، وفي علاقتها بالحكمة والمحبة تؤسس للمساهمة وتنقية الذاكرة. إن بلوغ الحق لا يكفي من دون حقيقة، والحقيقة من دون عدالة، والعدالة من دون محبة، والمحبة من دون مسامحة.
المعادلة الرابعة: الحضور والوحدة
إن الحضور الماروني شرط الإلتقاء الماروني وبالإلتقاء شرط اللقاء. كما أن الإلتقاء هو شرط الوحدة التي بدورها هي شرط القوة. ولئن أكدنا أن لا حضورا للمسيحيين على غير الحق والحقيقة والقدرة على المحبة والمسامحة فلا تكون لهم إذا وحدة على غير الحق والحقيقة والحرية والمحبة والمسامحة.
المعادلة الخامسة: الحضور والمسؤولية
إن بقاء الموارنة من بقاء لبنان والعكس صحيح. فالحضور الماروني ضرورة وطنية قائمة كما كان قاعدة لتأسيس الوطن.
فيكون تأمين هذا الدور مسؤولية وطنية مثلما هو مسؤولية مارونية. وهو كذلك مسؤولية مارونية مثلما هو مسؤولية كل مكونات الطوائف والعكس صحيح. إن ضمانة الجزء في الكل كما الكل في الجزء.
المعادلة السادسة: الحضور والميثاق
حوّل الميثاق الهاجس الى فعل تحرر واستقلال ونفى التبعية وطمأن المكونات وأكد الشخصية اللبنانية. فمهّد الميثاق لفصل العدد عن القوة وفتح الآفاق للتخطي من الطائفة الى الوطن ومن دون إجتثاث حرية المعتقد وإمكانية ممارسته بطريقة جماعية. فغدا الميثاق نمط حياة ونسق ممارسة متجذرا في الأخلاق السياسية اللبنانية التي كانت أصلا تربته الخصبة. ولم يعد تجديد العهد بالميثاق خيارا سياسيا أو فئويا إنما أصبح مكنوزا ثقافيا لا يفكه قرار ولا يفككه منطق أو عدوان أو مصير ومسار. فكما أن الميثاق قد حبك التركيبة اللبنانية التي بدورها كرست المدى الحيوي للموارنة فكذلك تكون حيوية الموارنة هي من يحدد إطار هذا المدى وتركيبته القوية.
المعادلة السابعة: الحضور والوفاق
جاءت وثيقة الوفاق الوطني لتستنتج إنحسار الدور الماروني في لبنان وأرادت بالقانون أن تحميه. إنما الترجمة الواقعية أدت الى عكس ذلك. فتراجع الحضور الماروني في اللعبة السياسية، بإرادة الوصاية السورية وفي الإدارة بإرادة مكونات الوطن الأخرى. فأصبحت مقتضيات الوفاق الوطني تعبيرا فضفاضا من دون معايير سوى ضرورات الصفقة التي غلّبت منطق العدد واقعيا على منطق التوازن ضمن الكفاءة. إن تأمين الحضور الماروني يكون بإعادة النظر الجذرية في واقع الإدارة على أساس التوازن الفعال والوزن الضامن لإراحة جميع المكونات.
فيكون الإصلاح بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية توطئة لإعادة الإعتبار للدور الماروني في المنطقة.
المعادلة الثامنة: الحضور والانتخابات
تتحكم إرادة التحرر من عقدة التبعية بالذهنية المارونية وقد تدفعها الى خيارات تلامس العبثية والتبسيط في أزمة نمو يطول مداها ولا تستتب.
والتبعية سياسية وليست طائفية بالمبدأ بالرغم من مذهبة الصراع. وقد تتحول الى بنيوية لأنه يصعب التمكّن من تحويل التعددية السياسية عند المسيحيين الى تعددية سياسية حقيقية عند المسلمين. إذ إن النظام النسبي الذي يؤمن نظريا مثل هذه الإمكانية يتحطم على صخرة امتلاك حزب واحد القدرة على تمثيل كل مذهبه بما يمكنه من امتلاك حق النقض منفردا في اللعبة السياسية. وبالتالي فإن كل نسبية لا تهدف الى بروز تعددية ضمن الطائفة الشيعية لا معنى لها، تماما كما ضمن الطوئف الأخرى، زد عن ذلك فإن إدخال مفهوم المقاومة بمندرجاته العملية الى اللعبة السياسية من خارج مقتضيات الوفاق الوطني يعقّم طرائق إنتاج السلطة التشريعية وتداول السلطة التنفيذية مما يشكّل خطرا على حسن سير اليدمقراطية في لبنان.
من هنا تصبح مسألة "التمثيل الصحيح" ثانوية عندما تغدو الدولة والنظام والمؤسسات محكومة بمنطق غير متوافق عليه ألا وهو منطق السلاح غير الشرعي وعدم احترام حقوق الإنسان وضرب حقوق الجماعات المؤلفة للوطن.
إن خطورة مقولة "التمثيل الصحيح" هي فتح الباب لبروز ديكتاتورية من نوع آخر تأتي بإسم الشعب ولا تحترم الحقوق. فتصبح ديمقراطية مسخة كما شهد العالم بروز العديد منها في القرن العشرين.
إن خروج الموارنة من هذه الإشكالية يكون بالعودة الى ثوابت بكركي والإلتزام بها والوصول الى قانون يبني على المشترك الحيوي للموارنة وليس على الاختلاف لرؤيته وتطبيقه.
المعادلة التاسعة: الحضور واللامركزية:
إن إعادة التوازن مركزيا بين المسلمين والمسيحيين يؤمن وحدة الدولة ويمتّن الميثاق الوطني.من هنا ضرورة توسيع مفهوم التوازن الى الإنماء والإدارة مما يعزز اللامركزية ولكن احترام الخصوصية المناطقية لا يتم إلا بلامركزية حقيقية يتم فيها انتخاب مجالس محلية تدير شؤون المناطق ولها سلطات تشريعية ومالية في إطار الانسجام والتناغم مع السلطة المركزية. فلا يكون الموارنة ضمن هذه اللامركزية في حال تقوقع وانكماش إنما في حالة تمكين على مستويين متوازنين: مركزيا للمحافظة على المدى الحيوي لتفاعلهم الوطني في عملية إغناء متبادل وخلاق و"لا مركزيا" لتعميق خصوصيتهم في المحافظة على شخصيتهم.
المعادلة العاشرة: الحضور والحياد
دفع اللبنانيون والموارنة ثمن سياسة المحاور التي كانت سببا لانهيار نظام الامارة ونظام القائمقامين، فجاء الحياد المكفول دوليا لقيام المتصرفية، وهكذا مع الميثاق الوطني. وللحياد شرطان: التوافق الداخلي بحيث يمتنع الأفرقاء اللبنانيون والدولة عن المطالبة بسياسة المحاور متحصنين بعضهم ببعض وليس بحصانات خارجية على إخوتهم في الوطن، والاعتراف الدولي بحياد لبنان الايجابي الذي يضمن للبنان دورا في حل النزاعات تماما كما سويسرا مثلا.
إن التأسيس على إعلان بعبدا الذي توافق عليه اللبنانيون يشكل حماية مشتركة لكل المكونات اللبنانية ويعطي مسؤولية خاصة لرئيس البلاد والماروني الأول واللبناني الأول في اعتراف ميثاق دولي لحياد لبنان.
--------------------------------------------
http://newspaper.annahar.com/article.php?t=minbar&p=3&d=24986
مقال الوزير السابق د. سليم الصايغ في مناسبة عيد مار مارون 2013
في عيد مار مارون هذه السنة ما تستسيغ له الطباع المارونية، لأن فيها طبيعة تعشق التحدي الوجودي وروح تطلب التخطي الحضاري. وبين الطبيعة والروح تولد معادلات تتحكم برسالته المسيحية في لبنان وهي عشرة:
المعادلة الأولى: من الوجود الى الحضور
يتم تمكين المسيحيين من خلال النظام السياسي عبر التثبيت والتفاعل ويكون التثبيت في المواطنة التي تكفل الوجود على أساس العدالة والمساواة عبر منظومة الحقوق الفردية. ويكون التفاعل في تأمين الحقوق الجماعية للمسيحيين كمكوّن متميّز ذو دور فاعل وضروري لتألق بقية المكونات ولتحديد هوية الوطن. من دون هذا الحضور يخسر الدور ليبقى للمسيحيين مجرد الوجود.
المعادلة الثانية: الحضور والحق
لا يبنى الحضور إلا على الحق، والمسيحية لا تقوم إلا على الحقيقة، الحقيقة المطلقة بالعلاقة مع الخالق، والحقيقة المتجسدة بالعلاقة مع الواقع. فيكون الدور المسيحي محصنا بالدساتير والقوانين ومحسنا بإشهار الحق والشهادة للحقيقة. ومن الحق تتألق الحرية والتحرر للجماعة للإنسان.
المعادلة الثالثة: الحضور والعدالة:
يتطلّب بلوغ الحقيقة العلم وتخطيه الى المعرفة فالحكمة. وفي الحقيقة عدالة حيث يتم إحقاق الحق، في المساءلة والمعاقبة والتعويض. إنما العدالة كذلك ، وفي علاقتها بالحكمة والمحبة تؤسس للمساهمة وتنقية الذاكرة. إن بلوغ الحق لا يكفي من دون حقيقة، والحقيقة من دون عدالة، والعدالة من دون محبة، والمحبة من دون مسامحة.
المعادلة الرابعة: الحضور والوحدة
إن الحضور الماروني شرط الإلتقاء الماروني وبالإلتقاء شرط اللقاء. كما أن الإلتقاء هو شرط الوحدة التي بدورها هي شرط القوة. ولئن أكدنا أن لا حضورا للمسيحيين على غير الحق والحقيقة والقدرة على المحبة والمسامحة فلا تكون لهم إذا وحدة على غير الحق والحقيقة والحرية والمحبة والمسامحة.
المعادلة الخامسة: الحضور والمسؤولية
إن بقاء الموارنة من بقاء لبنان والعكس صحيح. فالحضور الماروني ضرورة وطنية قائمة كما كان قاعدة لتأسيس الوطن.
فيكون تأمين هذا الدور مسؤولية وطنية مثلما هو مسؤولية مارونية. وهو كذلك مسؤولية مارونية مثلما هو مسؤولية كل مكونات الطوائف والعكس صحيح. إن ضمانة الجزء في الكل كما الكل في الجزء.
المعادلة السادسة: الحضور والميثاق
حوّل الميثاق الهاجس الى فعل تحرر واستقلال ونفى التبعية وطمأن المكونات وأكد الشخصية اللبنانية. فمهّد الميثاق لفصل العدد عن القوة وفتح الآفاق للتخطي من الطائفة الى الوطن ومن دون إجتثاث حرية المعتقد وإمكانية ممارسته بطريقة جماعية. فغدا الميثاق نمط حياة ونسق ممارسة متجذرا في الأخلاق السياسية اللبنانية التي كانت أصلا تربته الخصبة. ولم يعد تجديد العهد بالميثاق خيارا سياسيا أو فئويا إنما أصبح مكنوزا ثقافيا لا يفكه قرار ولا يفككه منطق أو عدوان أو مصير ومسار. فكما أن الميثاق قد حبك التركيبة اللبنانية التي بدورها كرست المدى الحيوي للموارنة فكذلك تكون حيوية الموارنة هي من يحدد إطار هذا المدى وتركيبته القوية.
المعادلة السابعة: الحضور والوفاق
جاءت وثيقة الوفاق الوطني لتستنتج إنحسار الدور الماروني في لبنان وأرادت بالقانون أن تحميه. إنما الترجمة الواقعية أدت الى عكس ذلك. فتراجع الحضور الماروني في اللعبة السياسية، بإرادة الوصاية السورية وفي الإدارة بإرادة مكونات الوطن الأخرى. فأصبحت مقتضيات الوفاق الوطني تعبيرا فضفاضا من دون معايير سوى ضرورات الصفقة التي غلّبت منطق العدد واقعيا على منطق التوازن ضمن الكفاءة. إن تأمين الحضور الماروني يكون بإعادة النظر الجذرية في واقع الإدارة على أساس التوازن الفعال والوزن الضامن لإراحة جميع المكونات.
فيكون الإصلاح بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية توطئة لإعادة الإعتبار للدور الماروني في المنطقة.
المعادلة الثامنة: الحضور والانتخابات
تتحكم إرادة التحرر من عقدة التبعية بالذهنية المارونية وقد تدفعها الى خيارات تلامس العبثية والتبسيط في أزمة نمو يطول مداها ولا تستتب.
والتبعية سياسية وليست طائفية بالمبدأ بالرغم من مذهبة الصراع. وقد تتحول الى بنيوية لأنه يصعب التمكّن من تحويل التعددية السياسية عند المسيحيين الى تعددية سياسية حقيقية عند المسلمين. إذ إن النظام النسبي الذي يؤمن نظريا مثل هذه الإمكانية يتحطم على صخرة امتلاك حزب واحد القدرة على تمثيل كل مذهبه بما يمكنه من امتلاك حق النقض منفردا في اللعبة السياسية. وبالتالي فإن كل نسبية لا تهدف الى بروز تعددية ضمن الطائفة الشيعية لا معنى لها، تماما كما ضمن الطوئف الأخرى، زد عن ذلك فإن إدخال مفهوم المقاومة بمندرجاته العملية الى اللعبة السياسية من خارج مقتضيات الوفاق الوطني يعقّم طرائق إنتاج السلطة التشريعية وتداول السلطة التنفيذية مما يشكّل خطرا على حسن سير اليدمقراطية في لبنان.
من هنا تصبح مسألة "التمثيل الصحيح" ثانوية عندما تغدو الدولة والنظام والمؤسسات محكومة بمنطق غير متوافق عليه ألا وهو منطق السلاح غير الشرعي وعدم احترام حقوق الإنسان وضرب حقوق الجماعات المؤلفة للوطن.
إن خطورة مقولة "التمثيل الصحيح" هي فتح الباب لبروز ديكتاتورية من نوع آخر تأتي بإسم الشعب ولا تحترم الحقوق. فتصبح ديمقراطية مسخة كما شهد العالم بروز العديد منها في القرن العشرين.
إن خروج الموارنة من هذه الإشكالية يكون بالعودة الى ثوابت بكركي والإلتزام بها والوصول الى قانون يبني على المشترك الحيوي للموارنة وليس على الاختلاف لرؤيته وتطبيقه.
المعادلة التاسعة: الحضور واللامركزية:
إن إعادة التوازن مركزيا بين المسلمين والمسيحيين يؤمن وحدة الدولة ويمتّن الميثاق الوطني.من هنا ضرورة توسيع مفهوم التوازن الى الإنماء والإدارة مما يعزز اللامركزية ولكن احترام الخصوصية المناطقية لا يتم إلا بلامركزية حقيقية يتم فيها انتخاب مجالس محلية تدير شؤون المناطق ولها سلطات تشريعية ومالية في إطار الانسجام والتناغم مع السلطة المركزية. فلا يكون الموارنة ضمن هذه اللامركزية في حال تقوقع وانكماش إنما في حالة تمكين على مستويين متوازنين: مركزيا للمحافظة على المدى الحيوي لتفاعلهم الوطني في عملية إغناء متبادل وخلاق و"لا مركزيا" لتعميق خصوصيتهم في المحافظة على شخصيتهم.
المعادلة العاشرة: الحضور والحياد
دفع اللبنانيون والموارنة ثمن سياسة المحاور التي كانت سببا لانهيار نظام الامارة ونظام القائمقامين، فجاء الحياد المكفول دوليا لقيام المتصرفية، وهكذا مع الميثاق الوطني. وللحياد شرطان: التوافق الداخلي بحيث يمتنع الأفرقاء اللبنانيون والدولة عن المطالبة بسياسة المحاور متحصنين بعضهم ببعض وليس بحصانات خارجية على إخوتهم في الوطن، والاعتراف الدولي بحياد لبنان الايجابي الذي يضمن للبنان دورا في حل النزاعات تماما كما سويسرا مثلا.
إن التأسيس على إعلان بعبدا الذي توافق عليه اللبنانيون يشكل حماية مشتركة لكل المكونات اللبنانية ويعطي مسؤولية خاصة لرئيس البلاد والماروني الأول واللبناني الأول في اعتراف ميثاق دولي لحياد لبنان.
--------------------------------------------
http://newspaper.annahar.com/article.php?t=minbar&p=3&d=24986
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire