samedi 11 avril 2015

نص كلمة د. سليم الصايغ في مطرانية صربا.."في زمن الصوم"

نص كلمة د. سليم الصايغ في مطرانية صربا.."في زمن الصوم"
يا إخوتي،
كلمة اليوم غير عادية، وقد كلّفني بها سيّدنا المطران  روحانا النائب البطريركي على أبرشية صربا المارونية في هذا العشاء الصيامي،
لقد أتتني إشارتان أضاءتا سبيلي  الى هذا  العشاء الصيامي، ولم أدرك المعنى الكامل لهما إلا عند كتابة هذه السطور،
 أما الإشارة  الأولى فهي عندما التقيت ريمون ناضر ولم أكن قد رأيته منذ 30 سنة في لقاء تلفزيوني ليتحدث عن مشروعه الرسولي وقد طلب أن أكون معه في الحلقة الخصصة لزمن الصيام، ولم أعرف السبب،
 أما الإشارة الثانية  فهي في مذكرة الجلب الروحية التي أتتني من سيّدنا المطران وقد طلب مني التفكير برسالة البابا فرنسيس في زمن الصوم: "على الكنيسة أن تكون جزر الرحمة في بحر اللامبالاة"... وأنا عادةً إنسان لا يصوم...

يا إخوتي،
نتلقّف إذا رسالة البابا ورجل العام المنصرم،
لا بل رجل العهد المتجدد دائماً،
ونطمإنه الى أننا في لبنان شهود على الرحمة،
 مؤتمنون على رسالة المسيح في عهد المسيحية،
 نقول لأبينا القديس في روما،
أننا في حالة إتحاد زمن الصوم مع الآخر،
 الآخر الفقير، المشرّد، النازح، المهجّر،
نحن في اتحاد مع كل مريض وسجين وعريان وعطشان وجائع،
وفي شرقنا العزيز مع كل من أُجبِرَ على ترك بيته ، أو قريته أو مدينته أو عائلته..
فحال الكنيسة في لبنان غيرها قي العالم،
 لإن هذا الوطن القوي بكنيسته
 يحتضن  مليوني نازح ونصف مليون لاجئ..ولا يزال صامدا..
هكذا كنيسة تطلق موجة الرحمة في العالم كله  لتحاصر جزر اللامبالاة حيثما وجدت!
 كما علّمنا المعلّم نكون في حالة إتحاد مع المسيح...
مع المسيح المصلوب، ومع جروحه وآلامه، وهي رمز جروح وآلام العالم...
فتكون صلاتنا رحمة، ورحمتنا فعلٌ، وفعلنا خيرٌ...

 يا إخوتي،
في الصوم معاناة إختيارية،
 إذ أنا أختار أن أصوم،
 ولا أكتفي بالتلطّي وراء المأساة التي أتحمّل كل يوم لأتفلّت من الخيار الآخر...
في الصوم أختار أن أقهر الجسد وأن أقوّي النفس،
 فيكون عذابي طوعيًا لا مفروضاً،
وفي هذا العذاب دخول الى فرح المأساة،
مؤاساة الروح  القدس لروحي،
ومؤاساة روحي لجسدي،
إذ عندما أصوم أدعو الروح، أناجيها،
أن تتغلغل فيَ، مع هواجسي وأحلامي،
أريد من الروح القدس أن يؤاسي روحي للحظة،
 كما أريد لروحي أن تؤاسي جسدي المحروم من الملذات للحظات،
 فيزيدني قدرة على الإتحاد بالعالم أجمع...ومؤاساته...
فمن دموع الحزن نرفد بحر الرحمة بوجه اللامبالاة...

يا إخوتي،
إن في الصوم دعوة،
وتذكيرٌ إن الحرمان لأسابيع هو تنبيه
 أن لا يكون لك ربان، فتعبد اثنان، الله والمال...
إن في الصوم دعوةٌ الى التجرّد من كل ما هو زائد،
من القشور كلّها،
 فالزاد هو لبابٌ من نوع آخر...
إن التجرّد من كل أوهام المادة هو دعوة
 للاكتساء بثوب يلبس الروح ويزيّنها
 قبل أن يعتني بالجسد ويجمّله....
في بحر الرحمة غذاءٌ كثير، وكساءٌ وفير...


يا إخوتي،
في الصوم تنقية للذات...
 فالرحمة تبدأ من الذات،
 بالتوبة والتوق الى المطلق الى الكمال،
 إذ من دون هذا التوق تفقد المحبة التي ترفأ وتسامح وتصلح وتعدل، تفقد كل معانيها.
فأنا أريد من الله أن يحبني أكثر،
 لكي أرتدع عن الخطيئة، وإن سقطت فيها،
 وقد سقطتُ فيها، ومن لا يسقط؟
لكي أطلب التوبة وأخرج من التجربة قوياً، معافى،
 قادراً على أن أمخر عباب بحر الرحمة غير عابئ بجزر اللامبالاة...

يا اخوتي،
في الصوم امتناع عن الكثرة،
 وأهمّها كثرة الكلام،
 فالصائم لا يثرثر،
 فتكون نعمه نعم، ولاؤه لا،
 في كل زمان وخاصّة في زمن الصوم...
أوَلم يعلّمنا المعلم أن ما يخرج من فم الإنسان هو ما يدنّسه وليس ما يدخل فيه؟
عندما تمخر عباب بحر الرحمة
 لا وقت إلا لكلام الصلاة،
 وفعل الإيمان
 والذهاب الى بر الأمان...

 يا اخوتي،
إنّ في الصوم انكسار وانتصار،
 فيه غالب ومغلوب، 
فيه قاهر ومقهور،
فيه رحمة ولامبالاة،
فيه بحر وفيه جزر،
لكن في الصوم سلام...سلام السكينة...
سكينة سفن المحبة التي بها غلب العالم...
 نعم إن في الصوم غلبة المحبة التي لا تعرف تسوية،
 إذ لا مساومة مع المسيح، ولو كان سموحاً،
 ولا مهادنة في عهده الجديد، ولو كان مسالماً،
 ولا أنصاف حقيقة، أو وجهة نظر، فهو الحقيقة الكاملة...
 فالإشارتان من ريمون والمطران
في زمن الصوم،هما لتجديد الإلتزام،
 بإشهار الإستسلام للمسيح،
والمصالحة معه تكون في الدخول الى الهيكل،
 من دون النظر الى الوراء،
ففي داخله تُسأل وتُجاب،
 في حوار مفتوح مع الله،
ومع قديسيه...  
وفي خارجه، لا سؤال يجدي ولا جواب...
لغتان، منطقان، عالمان...

فيا أخوتي،
 عندما تقرّروا أن ترفوا المرساة لتغزوا جزر اللامبالاة،
 تدخلوا عندها في مشروعه،
 تسكنوا في قلب المحبة،
لتشرِعوا القلب للرحمة...

كل صيام وانتم بخير!

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire