د. الصايغ في ذكرى اﻹبادة اﻷرمنية: لاعتماد هذا اليوم ذكرى وطنية
لبنانية رسمية
ذكرى ألإبادة الأرمنية
ذكرى ألإبادة الأرمنية
23-04-2016
إستوقفت أحدهم ذات يوم في شارع في الدائرة الخامسة عشر في باريس
لأستدل منه على عنوان أقصده , فجرنا الحديث عن الإتجاه صوب الشرق , وقد عرفني
لبناني السمة والروح , فذهبت بنا الأفكار الى مفاهيم السلم والحرب , وقد ومضت
عيناه رجاء خرق غشاوة الحزن والأسى .
هو جورج ازنافوريان الذي ختم لقاءنا السريع بإبتسامة قائلا:
“La
guerre chez vous tout comme le genocide chez moi sont enfantes par la bêtise
des hommes.”
بما معناه أن الحرب عندكم تماما كما الإبادة عندنا قد ولدتا من
حماقة البشر .
حصل هذا اللقاء معي منذ (28) ثمانية وعشرين عاما , حين كنت أحضر
رسالة الدكتوراه , ولا زالت ذكراه لا تبارحني ,لأن عبارات السيد ازنافوريان قد
عبرت معي هذه السنين لتوحد في ضميري شعبين جبلا في المعاناة .
عبارات تندى لها العيون وتعصر القلوب رجاء دائما في زمن القيامة
... عبارات تؤسس للعبور .
نعم إنه العبور من حماقة البشر الى الوعي والإدراك والإعتراف
,
من حماقة البشر الى الوعي لحجم الكارثة الإنسانية التي سعت الى
تدمير شعب ومحو ذاكرة وطمس التاريخ.
من حماقة البشر الى الإدراك ... إدراك عمق الشعور بالظلم المتراكم
والمحاصر باللامبالاة .
من حماقة البشر الى واجب الإعتراف بالخطأ والجريمة ,جريمة موصوفة
ضد الإنسانية ...إعتراف يؤسس للغفران والمصالحة.
من حماقة البشر إلى العمل على التخطي , تخطي المأساة والعمل على
تحصين وتعزيز تماسك المجتمع الأرمني ,والمحافظة على خصوصيته وعلى التمكين ,لإقدار
الإنسان الأرمني على التمتع بكل مؤهلاته التي تعززها ثقافته.
من حماقة البشر ... إلى ذكاء الإنسانية الرحبة.
أيها الأخوة
إن القضية الأرمنية هي جزء من القضية اللبنانية ,كما أن القضية
اللبنانية هي جزء من القضية الأرمنية. الواحدة تسكن الأخرى , مع وجدانها وذاكرتها
وآمالها وطموحاتها .
كلاهما توصيفان لقضية واحدة إسمها قضية الحريات ... حرية المعتقد
والقول والفعل .
فليس صدفة أن يحط الأرمن الرحال في لبنان ,كما ليس صدفة أن يزرع
الله الموارنة والشيعة والسنة والدروز والكاثوليك والسريان والروم والكلدان
والأشوريين واليهود والعلويين واللاتين والبروتستانت والإسماعيليين الى جانب
الأرمن في هذه الأرض.
إن القضية الأرمنية هي أهم وأكبر وأعمق وأقدم من تاريخ الإبادة
الأرمنية.
صقل هذا الشعب من جمال جبال آرارات حيث حط نوح سفينته, سفينة خلاص
الإنسانية ,ومنه إنطلقت حمامة السلام ,من أرض أرمينيا وديعة سلام الله على الأرض
قبل آلاف السنين,قبل أن تصبح أوروشاليم مدينة السلام في العهد القديم.
صقل هذا الشعب من عظمة غريغوريوس الذي روض الملوك بصليب إختاره
لنفسه في بئرعاش فيه ليستولد منه روح شعب وعظمة تاريخ وحصانة أرض.
إن تاريخ الصليب كاتشكار (katchkar ) في أرمينيا يروي قصة شعب شد أواصره تعلقه بالخالق وتجذره
بالأرض , فصليب الأرمن هو صليب الحياة ,والفداء عند المسيح حياة وبداية أخرى.
صقل هذا الشعب من كنائس وأديرة , فأعطى للمسيحية الأولى طبعه فغدت
صعبة المراس وأعطته مجد الفداء لقدس الأقداس .
إنها عظمة (إتشميادزين) التي شهدت للتاريخ وبقيت فيما أتى المحتلون
ورحلوا. وبقيت (إتشميازدين) تجسيدا للروح الأرمنية التي لا تقهر
...
فكما أنني لا أتصور المسيحية الأولى من دون أرمينيا ,تلك المساحة
الواسعة المدى التي لا تعرف حدودا كما الوجدان,فإنني لا أتخيل لبنان اليوم من دون
الأرمن ,تلك الجماعة النابضة حياة وحيوية وإبداعا وأفكارا.
وكي لا تتكرر الإبادة كما يحصل اليوم في سوريا والعراق علينا:
- أولا: تفعيل القوة الذاتية وطنيا ومسيحيا وسياسيا واقتصاديا
,بعيدا عن الرومانسية والأوهام , ويكون ذلك عبر تثبيت الممارسة الديمقراطية
,والذهاب الى إنتخابات رئاسية ونيابية وبلدية من دون إبطاء.
- ثانيا : اللجؤ إلى دولة الحق.
كما أن وجود لبنان الدولة القوية ,دولة الحق هو ضرورة لبقاء الأرمن
كما الطوائف الأخرى , كذلك فإن حضور الأرمن هو ضرورة لبقاء لبنان التنوع ,لبنان
الرسالة ,لبنان الشهادة والقيم , لبنان الحوار , لبنان الحياة معا.فلبنان هو حصن
الحرية ,وهو ضمانة الكرامة وهو الرهان الأول والأخير للأرمن.
- ثالثا: تغليب منطق الحوار والتحرر من الرهانات الخارجية, إذ لا
يحمي الأرمن وبقية اللبنانيين إلا المناعة الوطنية الداخلية .
- رابعا: الدعوة الى إزالة آثار الإبادة بعد الإعتراف بها وأن
تلعب الجالية الأرمنية في لبنان همزة الوصل بين الإبادة والغفران.
- خامسا : المحافظة على الخصوصية الأرمنية ضمن التنوع اللبناني
الذي هو مصدر ثروة للجميع ,ويتم ذلك عبر إدراج الثقافة والتاريخ الأرمني في
المناهج وتدريسه للمساهمة في الوعي الجماعي, وإعتبار ذكرى الإبادة الأرمنية ذكرى
وطنية .
عاشت القضية الأرمنية ... عاشت القضية اللبنانية...ليحيا لبنان
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire