مقال
فؤاد دعبول في الأنوار (05-05-2014)
وقائع
استحقاقات رئاسية وحوارات بين دين براون وأركان الجبهة اللبنانية05 /05/2014
جمهورية على نار
جلسات تائهة بين النصاب والدستور ومناقشات صاخبة بين بعبدا وريفون وصولاً الى
بيروت !بادر الرئيس العماد ميشال سليمان، أحد أركان ١٤ آذار، وقد صعد الى بعبدا،
لتهنئته بسلامة العودة من روما وباريس: هل تعتقدون أن جلسة الانتخابات الثالثة،
ستعقد بسلام، ام ان رياح الحرب السياسية، ستكون أقوى من عواصف الحرب
السياسية. الا ان الزائر صارحه: لا شيء يوحي بأن الجلسة الثالثة لن تكون سالمة
وسليمة. لماذا لا تختصرون الحقبة، وتقبلون بالتمديد لولايتكم، وتابع: قبل ربع قرن
تمنى اللبنانيون على الرئيس الياس سركيس البقاء في بعبدا عامين، لكنه
رفض. وعقب الرئيس سليمان: كان التمديد خياراً سورياً، واللبنانيون يريدون
حلاً لبنانياً. واذا ما صفت النيات فإن أمامنا عشرين يوماً كافية لانجاز الاستحقاق
الرئاسي في موعده. واستطرد رئيس الجمهورية: نسافر، ونعود، نغيب ونحضر، لكن
الثابت ان لبنان جمهورية لا تموت. وقف الزائر ومد يده الى رئيس الجمهورية
مودعاً: اعتقد ان الله يحب لبنان، وسيرزقه بحل في الوقت المتاسب.
وبين جهود
الكاردينال الراعي لانقاذ الاستحقاق، ومساع يبني لها الكبار، تنعقد لقاءات على مدى
الأيام، والهموم واحدة: عندنا جمهورية نأمل ألا تضيع، ووطن ثابت في مكانه،
وجمهورية لبنان هي الأمل. جلسة، جلستان، ثلاث، لا هم. ذلك ان انقاذ الوطن مهمة
الجميع. اللقاء والانقاذ كان اللقاء في ريفون مميزاً ومقتضباً، حضوراً
ووجوهاً، والاجتماع في رحاب قصركبير، يوحي أحياناً بأنه مقر رئاسي، أو معداً
لاستقبال رئيس. وبين التصور والواقع، مخاوف تربض على العقول والصدور، لأن للرئاسة
شروطاً ومقتضيات وأحلاماً تدغدغ النفوس وتراودها في حقبات. جلس المهندس هنري
صفير بأحلامه المدرجة الآن في اطار التجميد، محاطاً بالوزير السابق الدكتور سليم
الصايغ والمنسق العام للأمانة العامة لتجمع تيار المستقبل والنائب السابق فارس
سعيد، وعلى مقربة من سيد القصر جلس المحامي مارون أبو شرف والاستاذ كميل منسى والوجه
الاقتصادي نصري نخول يراقبون ويتابعون ويستوعبون بدقة آراء دقيقة في
السياسة. ووفقاً للنقاش، فإن لكل منهم توجهاً في السياسة أو رأياً في كل ما
يجري، لكن المحامي أبو شرف، كان في فرحة أخرى، وانتصار هبط عليه فجأة، اذ عثر، بعد
جهد جهيد، ومعاناة طويلة في البحث والاستقصاء، على قصيدة والده الضائعة أو اليتيمة
في الشعر وقد ألقاها والده الشاعر والخطيب المفوّه لويس أبو شرف، عندما تكلم في
العاصمة الثانية باسم مجلس النواب، في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس الجمهورية
الأمير اللواء فؤاد شهاب في باحة تمثال الرئيس عبد الحميد كرامي. وجدتها،
وجدتها، وجدتها على طريقة مكتشف الجاذبية أرخميدس. كان مارون أبو شرف يقول لمن
حوله، انه بعد عناء البحث والتفتيش. يومئذٍ، عثر على قصيدة أمير المنابر، أو
رائعته، والتي اختفت بعد القائها العام ١٩٥٨، ولم يعثر لها على اثر. الا ان
الحاضرين كانوا يشاطرون مارون ابو شرف فرحته، لكنهم كانوا مع هنري صفير، والفيلسوف
السياسي للأمانة العامة للرابع عشر من آذار، مشغولين ايضا في انجاز الاستحقاق
الرئاسي، الذي مرت عليه فرص كثيرة، ولا احد يجزم بامكان تحقيقه قبل ٢٥ ايار او
بعده. لكنهم كانوا يعتقدون ان العالم، لن يسمح بانهيار الجمهورية، وبضياع لبنان
النظام البرلماني، الديمقراطي، في متاهات الأحداث والمناكفات. كانت الانظار
متجهة الى المهندس هنري صفير، ومركزة على ما يقوله فيلسوف ١٤ آذار المعهود له
بالخبرة والحنكة، الا ان الانظار ظلت مركزة على ما كان يقوله الوزير السابق سليم
الصايغ الكتائبي الحديث بفكره وعقله، من ترشح الرئيس السابق الشيخ امين الجميل
المرشح المعروف جداً، والمحجوب جداً، حفاظاً على وحدة ١٤ آذار. وعلى الرغم من
ان هنري صفير، كان يهندس الآراء والأفكار، قياساً الى تجاربه السابقة، لكن هناك من
اعاد التذكير بأن ابن ريفون، ونسيب البطريرك نصرالله صفير، دبر له الزيارة الأولى،
بعيد انتخابه بطريركاً على الطائفة المارونية، في النصف الثاني من الثمانينات الى
الجزائر، بدلاً من اصرار سوريا على أن تكون الزيارة الأولى لسيد بكركي، يومئذٍ،
الى دمشق، ولو بدعوة غير رسمية، لأنها بلد علماني، وعلى استعداد لاعداد استقبال
لائق له. كانت زيارة الكاردينال صفير للجزائر بدعوة من الرئيس الشاذلي بن
جديد، وقد تمت في ظروف صعبة بالنسبة الى المنطقة، لأن بلد المليون شهيد جمع في
رحابه يومئذٍ القادة التاريخيين للمقاومة الفلسطينية: ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير،
والدكتور جورج حبش الامين العام ل الجبهة الشعبية، والسيد نايف حواتمه الأمين
العام للجبهة الشعبية - القيادة العامة. وعندما كان الكاردينال صفير يزور
الامانة العامة لجبهة التحرير الجزائرية، فاجأه الأمين العام المساعد لجبهة
التحرير الجزائرية، محمد الشريف مساعدية، بدعوته الى الترشح لرئاسة الجمهورية،
لأنه مقبول من الجميع، إلاّ أن الكاردينال ردّ عليه ان للبطاركة أعمالاً وأدواراً
يقومون بها لصالح الناس، وللسياسيين واجبات نحو الوطن. انعشت هذه الأفكار
هنري صفير، وأطربت النائب السابق فارس سعيد، وأراحت الوزير سليم الصايغ الذي عاد
الى القول ان الكتائب تلتزم بمرشح ١٤ آذار، لكنها تقدّم في الوقت نفسه، الرئيس
أمين الجميّل مرشحا توافقيا، لما يتمتّع به من خبرات وامكانات يضعها في صالح
الجمهورية الجديدة، ولأنه أرسى ويرسي علائق واسعة في دول العالم، تمتد من أوروبا
الى أميركا. وأعاد الوزير الصايغ الى الأذهان، ما حققه الرئيس الجميّل، من
انجازات على صعيد العلائق في ايطاليا، وبصورة مستمرة بين الفاتيكان وروما، وعقب
رئيس تحرير اذاعة لبنان الحر الزميل انطوان مراد إجماع ١٤ آذار على ترشيح الدكتور
سمير جعجع وعلى دوره في بلورة فكر ١٤ آذار لبنانيا وعربيا، في حين نوّه الأستاذ
كميل منسّى بالتناغم بين مختلف الآراء، وهذا ما جعل النائب السابق فارس سعيد،
يشدّد على ان ١٤ آذار أكدت التحامها ووحدتها ووحدة كلمتها في ترشيح الدكتور سمير
جعجع للرئاسة، بغض النظر عن وصول أو تعذر وصوله الى بعبدا. عاد المهندس هنري
صفير الى الحديث عما أسماه سابقاً، وقبل ربع قرن، عن حقيقة مارونية ترسّخت على مدى
عصور. وقال ان المارونية التي ثبتها نهر العاصي وجبل لبنان، هي قرى معلقة في
سفوح لبنانية نحو حالة سلام طال انتظاره. وليست المارونية أقلية في المشرق بل
أفعالها وإبداع أبنائها وتقاليد الشرف والصداقة من خلال مقاومتها المكتوبة بدم
شهدائها عبر تاريخها الطويل، وبحثها المستمر عن علاقات مستقرّة مع الطوائف والبلاد
المجاورة، تجعل منها نوراً ساطعاً في المشرق. وتساءل: وهل يوقد سراج ويوضع
تحت مكيال، أم على نور المارونية ان يشعّ من على أعلى قمة في جبل لبنان لينير
لبنان والمشرق معاً؟ وتابع: مجتمعنا لن يصبح مجتمع الاستهلاك والرأسمالية
المتوحّشة.مجتمعنا يصمد إن اهتدى بدانيال العمودي لا بالنبي دانيال. مجتمعنا
يصمد وينمو إن احتفظ بتراثه غير مغلّف بورقة باردة من الاسمنت بل كذخيرة تذكّر
بثوابت الكيان واستمراره. التاريخ هو التاريخ ويبقى ان تاريخ الوطن، هو
الذي يصنع حاضره، فهو ينطوي على وقائع ومعلومات صاخبة حيناً، ورائدة
أحياناً. تروي صونيا فرنجيه الراسي، في كتابها الأخير: وطني دائما على حق،
وقائع من لقاء أركان الجبهة اللبنانية مع الموفد الأميركي دين براون، بحضور الرئيس
سليمان فرنجيه، وهكذا تتحوّل كريمة رئيس الجمهورية الى مؤرّخة بارعة في ابراز
التفاصيل. وتقول ان الرئيس كميل شمعون أعاد الى ذاكرة موفد كيسنجر وزير
الخارجية الأميركي السابق، بأن على الأمم المتحدة واجب إنقاذ لبنان من مؤامرة نظّمها
الفلسطينيون، عبر انقلاب نفّذه العميد أول عزيز الأحدب وان الشيخ بيار الجميّل روى
له كيف تعرّض المسيحيون في القرى لأعمال ابادة، وقال له الأباتي شربل قسيس رئيس
المؤتمر السابق للرهبانية اللبنانية ان الرهبان بذلوا كل ما في وسعهم لمساعدة
السكان على البقاء، وعلى الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل. وتتابع السيدة صونيا
فرنجيه الراسي: ان الموفد الأميركي دين براون أصغى بدقّة لأكثر من ساعتين الى
وقائع أوردها الرئيس فرنجيه والزعماء الثلاثة، وردّ عليهم بالسؤال: كم من الوقت قد
يدوم هذا الوضع، اذا أردتم، فان أسطولنا في البحر المتوسط، ويستطيع نقلكم الى حيث
تريدون الذهاب. عندئذ، نهض الرئيس فرنجيه، وطلب من دين براون ان يتبعه الى
النافذة، أترى هذه الجبال وتلك الجلول في الجبل المحيط بها، انها ليست من صنع
الطبيعة. انظر اليها جيّداً، ترى انها حجارة شُذّبت يدوياً، ان أجدادنا لم يكتفوا
بوراثة هذا البلد، بل صنعوه بعرق جبينهم، وحوّلوا الجرود الى جنائن من أشجار
التفاح والزيتون والكروم، وبالمال الذي جنوه علّموا أولادهم وأبناءهم في
لبنان. وتابع: أنا رئيس جمهورية ولدي ولدان يقاتلان في الجبهة. والرئيس شمعون
رئيس جمهورية سابق وولداه يقاتلان في الجبهة، والشيخ بيار الجميّل رئيس لأكبر حزب
مسيحي، وقد حمل أبناؤه السلاح، والأباتي شربل القسيس هو الأب الروحي لأكثر من مائة
راهب، كلهم يشاركون في القتال، ناهيك عن الآخرين، حين لا تعود في شراييننا قطرة دم
واحدة، يمكنكم إرسال أسطولكم لتحميل جثثنا. غادر دين براون الكفور وزار السيد
موسى الصدر والأستاذ كمال جنبلاط، وسمع منهما كلاماً من نوع آخر، وقالت ان الأول
دعا الى الثورة على البلدان العربية، في حين تولى الثاني الدفاع عن القضية
الفلسطينية في وجه اسرائيل. بعد ذلك انهارت المصارف، بعد فشلها في الدفاع عن
نفسها وهجوم اللصوص عليها، وتحوّل شارع المصارف الشهير الى مكان يتناوب اللصوص على
سلبه. وتتابع المؤرخة الحديثة صونيا فرنجيه الراسي: حُدد الثامن من أيار
موعدا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فطغى هذا الهمّ على اهتمامات اللبنانيين
جميعا، وظهر المرشحون من كل حدب وصوب، لكن أنشطهم كان ريمون اده، بمساندة جنبلاط
والأحزاب التقدمية والمؤيدة للفلسطينيين. كما أنه تعهّد بعدم السماح باجراء
الانتخابات بوجود الجيش السوري على الأراضي اللبنانية. من جهته، قال جورج حبش
من الجبهة الشعبية: لن نتراجع أمام أي قوة، ولو كانت سورية. لكن صباح الثامن
من أيار أتى والسوريون لا يزالون على الأراضي اللبنانية، عقدت الجلسة تحت وابل من
الرصاص والقذائف جعل حياة النواب في خطر حقيقي. وأظهرت صورة باخوس حكيم وفؤاد غصن
المختبئين في وضع القرفصاء خلف أحد الجدران، الى أي حدّ يجازف اللبناني، من كل
المستويات، بحياته كل يوم، ليبقى لبنان ودستوره. في اللحظة الأخيرة سحب كميل شمعون
ترشيحه، وانتخب سركيس بدون أية مفاجآت. وكما في كل مرة قال إده انه ترشح للرئاسة
خدمة لمبدأ الحفاظ على الطابع الديمقراطي للانتخابات. حين صعد الياس سركيس
بعد يومين الى الكفور يرافقه فاروق أبي اللمع، صديقنا المشترك، والأب مبارك، أسرّ
اليه الرئيس فرنجيه ببعض التفاصيل حول الفترة التي أمضاها في حكم لبنان. ابتسم
الرئيس سركيس بلطف، وبدا أنه على علم بكل ما أراد أبي اطلاعه عليه.المصدر: صحيفة
الانوار اللبنانية
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire