lundi 24 mars 2014

في الطاولة المستديرة تحت عنوان "ثقافة الحوار ما بين الطوائف في لبنان" الحكمة 19 كانون الأول 2009جامعة الحكمة

الجمهورية اللبنانية
وزارة الشؤون الإجتماعية



كلمة وزير الشؤون الإجتماعية الدكتور سليم الصايغ
في الطاولة المستديرة تحت عنوان
"ثقافة الحوار ما بين الطوائف في لبنان"
الحكمة 19 كانون الأول 2009

حضرة رئيس جامعة الحكمة .................
جانب رئيس مركز قدموس للأبحاث ...................
ايها المنتدون


نلتقي صباح اليوم في رحاب هذه الجامعة الوطنية الكبرى جامعة الحكمة، رجالات دين ودنيا، مفكرون من المجتمع المدني في لبنان، من كل الطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية ، وتحت عنوان " ثقافة الحوار ما بين الطوائف في لبنان". وهو عنوان كبير يكرس ويترجم فرادة لبنان في هذا العالم.

 وبمجرد ان ينعقد هذا اللقاء بدعوة كريمة من جامعة الحكمة ومركز قدموس للأبحاث تسقط عنه صفة الإستثنائية عنه لتتحكم به لغة ومنطق الحاجة الى مثل هذا الحوار بين الطوائف في لبنان والعالم في مواجهة كل الدعوات المشبوهة التي تتحدث عن صراع الحضارات والثقافات كما بين الطوائف في العالم وابرزها تلك النظرية التي ابتدعها في عقد التسعينيات "صامويل هنتنجتون" في اطروحته "صدام الحضارات" وما فهم منها من استحالة التفاهم او الحوار في ما بينها. وجميعنا ها هنا ندرك ان هذه النظريات هي التي تحكمت الى حد بعيد باندلاع سلسلة من الحروب في اكثر من منطقة في العالم وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من ايلول العام 2001 وعلى وقع تصاعد العصبيات ومظاهر التحدي الطائفية والمذهبية التي عاشتها بعض البلدان من شرق العالم الى غربه ومنها لبنان.

ايها المنتدون.

لقد اثبتت التطورات الأخيرة التي عاشها لبنان في السنوات الأخيرة التي انتجتها موجة الإغتيالات واجواء الفرز المذهبي والطائفي التي قسمت البلاد لسنوات عدة الحاجة الى مثل هذا الحوار بين كل طوائف لبنان. والسعي الدؤوب الى وقف نمو وتطور هذه الأجواء السلبية  وهي التي انتجتها الثنائية المذهبية التي تحكمت في أحداث لبنان الأخيرة وفي اكثر من دولة ومنطقة في شرقنا والمحيط حتى صحت في بعض الحالات توصيفات سياسية تدل اليها. كأن يقال بلقنة او عرقنة لبنان، او لبننة العراق وهي عبارات ترددت على السن كثيرين من رجال الفكر والإعلام والدبلوماسية في السنوات القليلة الماضية. والثابت المشترك فيها انها كانت الوجه الآخر لتعطل أو وقف الإعتماد على مفاهيم التسامح والحوار والإعتراف بالرأي والرأي الآخر، فراحت بعض الأحداث لتستدرج اللبنانيين وغيرهم من العرب وفي العالم حيث كثرت المظاهر الطائفية او الإتنية والعقائدية والعشائرية الى ما هنالك من النماذج التي تعزز مفاهيم التقوقع على الذات والإنقسام. وكلها عناصر دفعت في اتجاهات ادت الى إندلاع الفتن التي خبرنا مظاهرها ونتائجها السلبية في اكثر من محطة امنية وسياسية. فلنتذكرها ونأخذ منها العبر الحقيقية لئلا نكون سببا مباشرا او غير مباشر لتكرارها مرة أخرى، لا سمح الله.

ايها المنتدون،

المنطق يدعوني الى ان افهم بداهة الخلفيات التي دفعتكم الى تنظيم هذا الحدث، فاخترتم شخصيات من كل طوائف ومذاهب لبنان ليقدم كل منهم خلاصة تجربته الفردية او في إطار جماعة على هذه الطاولة. وهو امر يقودني تلقائيا الى فهم الأسباب الموجبة التي قادتكم الى هذه الخطوة، وان اتوقع النتائج والأهداف المرجوة منها. انها بكل بساطة الترجمة الفعلية لدور لبنان في محيطه والعالم هذا الدور الذي دفع قداسة البابا يوحنا بولس السادس عشر ليتحدث في "السينودس الخاص بلبنان" عن لبنان البلد الذي يحبه او كما يراه على الأقل. فيقول في إحدى فقراته: "ان لبنان الذي يبرز كأكثر من بلد، بل كرسالة حرية ونموذج في التعددية ومساحة للحوار ولتعايش الثقافات والاديان المختلفة.." وهو امر جدد التأكيد عليه لاحقا قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر عندما اعتبر ان لبنان " هو حاجة وضرورة للشرق والغرب ويستحق من المجتمع الدولي كل الدعم والتأييد". 

 ايها المؤتمرون                                           
إن ثقافة الحوار هي علم بحد ذاته، تقف عند اعتابه كل اشكال العصبية وموجات التطرف، فالتعرف الى الآخر من آخر تقنيات واشكال الإتصال والعلاقات بين البشر ولا بد لنا من ان نعمل ما اوتينا من قوة من اجل تعميم هذه الثقافة اينما حللنا واينما كانت لنا كلمة مؤثرة.

إن حوار الأديان عالم واسع ومتنوع الأهداف والمستويات، والمبادرة إلى رفضه أو قبوله مبدئيًا تعتبر مغامرة غير محسوبة تختصر واقعًا، وتنتقي وجهًا واحدًا تحكم عليه بالسلب أو بالإيجاب وسط ظاهرة متعددة الوجوه.
وأهداف الحوار أيضًا تختلف، فهناك حوارات تبحث عن تفاهم متبادل وتعارف أعمق، وهناك أخرى تبحث عن القيم المتفق عليها، وهناك حوارات تبحث عن موقف مشترك من قضية بعينها، وهناك حوارات ذات أغراض سياسية... وهكذا.
وأساليب الحوار تختلف، وطريقة "استدعاء الدين" أيضًا تختلف؛ فهو يُستدعى كتجربة روحية أحيانًا، ويستدعى كتاريخ وممارسة أحيانًا أخرى، ويستدعى كنصوص مقدسة أحيانًا ثالثة، أو كقيم مجردة، أو كواقع حي يومي يتحرك على أرض الواقع.
ويختلف الحوار في نطاقه واتساعه الجغرافي بين المحلي والإقليمي والدولي، وفي تحديده للأديان، فقد يقتصر على الأديان السماوية المسماة بـ"الإبراهيمية"، وقد يتضمن ديانات أخرى مثل: الهندوسية والبوذية وغيرها، وقد يكون داخل دين واحد بين مذاهب وطوائف شتى، أو بين دين وآخر، أو بين عدة أديان في وقت واحد.
وعلى هذه الخلفيات الأكاديمية ارى لزاما علينا ان نشجع على مثل هذا الحوار بين الأديان ليتفهم المنتمون الى ديانات مختلفة اوجه الشبه والقواسم المشتركة التي تجمع عليها وهي كثيرة. وجميعنا يعرف انها اكثر من ان تحصى في هذه المناسبة. إلا انها حافزا جديا يدعونا الى تشجيع كل المبادرات التي تقود الى هذا الحجم المطلوب من الفهم المشترك لأدياننا ومعنى طقوسنا واعيادنا والمناسبات ما يسهل اوسع مشاركة فيها متى توضحت المفاهيم المشتركة. فنعزز بذلك ثقافة الحوار واعتراف الجميع بخصوصيات بعضنا البعض بدل التنافر والصراع في ما بينها.

ايها المؤتمرون والأصدقاء.
 إن هذه الطاولة المستديرة التي ارعى عملها اليوم ليست الأولى وآمل بان لا تكون الأخيرة. فالحوار سبيلنا الى تعزيز كل اشكال التفاهم وتنمية القواسم المشتركة وتعريف الإنسان بشخص وفكر وثقافة الآخر. ولذلك لا بد من القي الضؤ على سلسلة من المقترحات العملية أطرحها عليكم اليوم بعناوينها للنقاش استفادة من الزخم الذي اكتسبته فكرة حوار الحضارات في المنطقة وتكرار الدعوات التي اطلقت لهذه الغاية وكانت اولاها تلك التي اطلقها الرئيس الأيراني السابق السيد محمد  خاتمي من بيروت العام 2000، والتي لاقت القبول الدولي في حينه  بإعلان الأمم المتحدة العام 2001 عاماً لحوار الحضارات. او تلك الدعوة التي اطلقها العاهل السعودي بدعوته الى مؤتمر دولي حول الحوار بين الأديان والذي عقد في الأمم المتحدة العام الماضي وشارك فيه رؤساء دول من اصحاب التجربة وكان فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من بينهم هناك. ولذلك اسأل بصوت عال: ما الذي يمنع من تكرار هذه التجربة التي ما زالت بنجاحاتها ماثلة وراسخة امام عيون وفي اذهان الناس منذ ذلك التاريخ الى اليوم.

وعليه، فإني اقترح عليكم ان نسعى معا باتجاه بعض من الخطوات التي لا بد منها، واتوقف عند الآتية منها:
أولاً: تأليف كتاب مرجعي عن الأديان كثقافة وتجليات مشتركة أو مختلفة في الأقطار والأجناس المختلفة على مستوى الممارسة اليومية: أزياء،  أطعمة، احتفالات، طقوس وعقائد ... إلخ.
ثانيًا: دعم تدريب فريق من الناشطين والباحثين في الجوانب العملية والنظرية المتعلقة بحوار الأديان، ونقله إلى فضاء "حوار الحضارات".
ثالثًا: دراسة وتقييم وتطوير الحركات الدينية بوصفها حركات اجتماعية وثقافية  -لا مجرد حركات معارضة سياسية - والمساهمة في جذب اهتمامها لحوار الأديان والحضارات.
رابعًا: عقد ندوة مشتركة مع الجهات المعنية لتقييم التجارب السابقة لحوار الأديان، والبحث في تطويرها والتنسيق بينها لتعظيم العائد منها.
خامسًا: تنشيط الدعوة التي تبناها الأمين العام للأمم المتحدة لتكوين مفوضية أو مستشارية خاصة بالأمم المتحدة تكون خاصة بالأديان والقيادات الروحية، مع التشديد على أهمية أن يشمل التمثيل الناشطين في المجال الثقافي والاجتماعي أهليًا.
سادسا: السعي الى إصدار إعلان عالمي - على غرار إعلان حقوق الإنسان أوغيره - يتناول إبراز وتوجيه دور الأديان في حوار الشعوب وتعاونها من أجل الحرية والعدالة والتنمية المتوازنة، ولعل هذا يكون تتويجًا مناسبًا لجهود حوار الحضارات.

ايها المؤتمرون.

ارى لزاما علي ان اطالب، ومن على هذا المنبر بالذات وبقوة المؤمن في دعوته هذه، بان يتحول لبنان مختبرا ومساحة حوار بين الأديان والمذاهب والحضارات والثقافات لأن ما يجمع بينها اكثر مما يفرق. ومن يعمل من اجل الجمع لا الفرقة – ونحن وانتم منهم - له أجران عند الله. اولا انه فكر بذلك، وثانيا انه دعا وسعى فحقق شيئا ما. مع الإشارة الى انه ليس في كل ما نعمل له منة لأحد، فنحن ملزمون اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى أن نترفّع لا بل أن نحارب ونقاوم كلّ سياسات التفرقة والعزل والتخوين والتخويف التي يسعى البعض إلى تظهيرها للرأي العام وكأنها مشروع يرمي إلى إلغاء الآخر، ولكي يصّور أن هذه الطائفة أَو تلك، تسعى إلى تغيير وجه لبنان أو تذويبه في مشروع كوني عالمي. ودمتم للحوار خير دعاة ومن اجل لبنان عاملين، لإعلاء شأنه بين الأمم وإظهار مكامن القوة في نظامنا بدل الإشارة الى مكامن الضعف فيه.

عشتم وعاش لبنان




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire