lundi 24 mars 2014

Anwar (30-11-2009)






اختصاصي في الشؤون الخارجية واختاروه لمعالجة القضايا الاجتماعية
الوزير الصايغ لـ (الأنوار): لبنان مقبل على فسحة استقرار
ويحتاج الى (ميثاق اجتماعي) لمواجهة هموم الناس!
                                                                         
حاوره فؤاد دعبول وأيوب خداج:
وزير مثقف وصاحب تجارب واطلاع. الحوار معه مفيد. لكثرة ما يمتلك من مفاهيم. والوزير الدكتور سليم الصايغ (برَمَ) العالم وعاد الى لبنان. عمله كان المفاوضات بين الدول وحلّ النزاعات المحلية من فرنسا الى المكسيك، ومن أكابولكو بنغلادش وانتهاء بالصين التي زارها عشرين مرّة، ليشهد تجربتها الفذّة، بالتوفيق بين اقتصاد ماوتسي تونغ، الى اقتصاد السوق على يد دينغ هيساو بينغ.
(الأنوار) التقته في وزارة الشؤون، بعد عشر جلسات عقدتها لجنة صياغة البيان الوزاري. خلاصة أفكاره والأبحاث، ان البلاد لم تعد الى الوراء، ودعوته الى عقد اجتماعي يعيد المراقب الى ذهنية جان جاك روسو، (لأن البلد أمام مرحلة لمعالجة هموم الناس وحاجاتهم الأساسية، قبل البحث في التعديلات الدستورية.
يكشف الوزير الكتائبي الذي تنقّل بين اليمين واليسار، وقائع خلافه والوزير بطرس حرب مع الوزير جبران باسيل، انه اختلف معه حول موضوع السلاح واتفقنا معه على رفض التوطين، ويؤكد (اننا حكومة عمل وانتاج، ولن تكون حكومة تصريف أعمال، وأمامنا فسحة استقرار توجب الارتقاء بالخطاب السياسي الى مستوى عال من المسؤولية.
فوجىء الوزير الصايغ بقدرة الرئيس سعد الحريري على الاستماع والاستيعاب، ويروّج لجعل لبنان مساحة للحوار بين الثقافات والحضارات.



أما المراقب فيفاجأ بأن حديثه يغري بالمتابعة، لما ينطوي علىه من أفكار، وهذه هي وقائع الحوار:
> بعد عشر جلسات للجنة الوزارية المكلفة صياغة البيان الوزاري، ما هي الانطباعات التي خرجت بها عن طبيعة الحكم وأهله كوزير آت من عالم الجامعات، الى عالم السياسة? هل شعرتم بارتياح أم باستياء?
- صحيح انني آت من عالم جامعي، لكنني من مدرسة تتعاطى الشأن العام، وهي المدرسة الحزبية التي تربّي الفرد تربية تقنية، علما ان الحياة السياسية في لبنان تراجعت، ولم يعد للديمقراطية نكهتها واداؤها الذي كان قبل الحرب.
عندما كنت في فرنسا، عملت كثيرا في الشؤون الديبلوماسية، واختصاصي هو المفاوضات والحوار وحلّ النزاعات، فالى جانب امتلاكي للنظرية، انما طبيعة عملي، أتاحت لي النزول الى الأرض، والعمل في المفاوضات بين الدول، وبين القطاع العام والقطاع الخاص، وعملت كوسيط لحل النزاعات المحلية في فرنسا، وفي المكسيك وآسيا الوسطى، وزرت 30 بلدا في هذا الاطار، وقد أسست مركز الوسيط في منطقة أكابولكو في المكسيك، والتي تعاني من مشاكل بين البلدية والمجتمع الأهلي، أضف الى كل ذلك انني أعمل منذ ثلاث سنوات كمستشار للرئيس أمين الجميّل في القضايا السياسية، وعملت كنائب رئيس في الحزب، الأمر الذي عرفني على نمط التعاطي بالسياسة اللبنانية.
مع ذلك فان تجربة الوزارة والسلطة السياسية تجربة جديدة بالنسبة إليّ، لكن ما يهمّني ان رئيس الحكومة، وان كان نائبا فان تجربته كرئيس للحكومة هي الأولى، فضلا عن وجود وزراء جدد، أنا غير مصدوم بالواقع القائم، وما أشعره هو وجود ارادة عمل كفريق، بالرغم من الخلاف السياسي، وادارة جلسات لجنة الصياغة تجربة مميزة، واذا وضعنا القضايا الكبرى التي تقسم اللبنانيين كموضوع السلاح جانبا، وتركنا اللبنانيين للعمل على القواسم المشتركة بينهم فان الفريق الوزاري يتحوّل الى فريق يبحث بشكل جدّي عن الحلول، بالطبع كان النقاش يأخذ أحيانا طابعا نظريا، وأحيانا كان بعضهم يريد تثبيت حجمه ودوره، ويعتقد ان الاكثار من الكلام يكبّر الدور.
في لبنان وبشكل عام فاننا لا نفقه تقنيات التفاوض والحوار، ولاحظت في لجنة الصياغة كمراقب أكاديمي، ان ما يحصل يعكس ما يجري في البلد، فأحيانا يتكلم الأشخاص لمجرد الادلاء بدلوهم فقط، من هنا أرى ان مجلس الوزراء بشكل خاص والمؤسسات الديمقراطية بشكل عام، هي المستوعب الذي تحصل فيه عملية اتقان الاداء الديمقراطي الحسن، عبر اتقان وسائل الحوار، والتخاطب مع الآخر واحترام رأيه.
أنا غير مفاجأ بما رأيته داخل مجلس الوزراء، لكن المفاجأة السارة كانت بقدرة مدير الجلسات، أي رئيس الحكومة، على الاستماع والاستيعاب لساعات طويلة، ومعرفة جيدة وأحيانا ممتازة من قبل الوزراء بكافة الملفات، هناك درجة عالية من التقنية لدى هؤلاء لم أكن أتصورها سابقا، وكنت أعتقد انهم قادمون بعد تسميات سياسية، ولا يفقهون إلا بالسياسة في معناها التقليدي، لكن رأينا مناقشات معمّقة في قضايا الكهرباء، المياه، الضمان والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، ان أغلب الموجودين كانوا يرغبون في الوصول الى قواسم مشتركة، ولم يكن طرح الاقتراحات من أجل تعطيل الوصول الى حلّ، انما لطرح وجهات نظر، من أجل بلوغ تسوية معيّنة.
حوار الوطن لا الأشخاص
> فرحت الناس بتشكيل الحكومة بعد مضي أشهر من أجل ذلك لكنها فوجئت بعد عشر جلسات للجنة صياغة البيان الوزاري، ان الأمور في البلاد عادت الى نقطة الصفر، خصوصا بعد طرح موضوع الغاء الطائفية السياسية، لماذا هذا التناقض?
- لم يناقش موضوع الغاء الطائفية السياسية في جلسات اللجنة سوى لدقائق، ولم يطرح كمسألة أساسية، وقد جرى طرحه في الاعلام، وقد طرح عرضا، ووجدنا ان هذه الحكومة يجب ألاّ تتحمّل في انطلاقتها، كل أوزار الملفات الكبرى في لبنان، وليس مطلوبا ان يتضمن البيان الوزاري كل النقاط التي أتى على ذكرها اتفاق الطائف، والمطلوب وضع النقاط الممكنة، والواجب تحقيقها الآن نظرا لحاجتها.
ومقاربتنا في اللجنة لموضوع الغاء الطائفية السياسية أتى كذلك، لأنه يجب ان يكون حول هذا الأمر حوار وطني كبير.
لقد وضعت في البيان الوزاري أمور عملية، فرئيس الحكومة رجل عملي، يريد ان يحقق ما يقول، ولا يرغب باعطاء اللبنانيين وعودا، بل يريد وضع قضايا نستطيع انجازها، اذ لم نتناول القضايا التي تحتاج الى ورش وطنية لبحثها واقرارها، صحيح اننا تكلمنا عن قانون البلديات والانتخابات النيابية واللامركزية الادارية، انما تطرقنا اليها كسياسات ضمن الوزارات.
ليس لدي انطباع اننا عدنا الى الوراء بل انطباع بوجود ارادة للبدء من مكان ما، لأن البلد كما هو الآن، يستطيع الاستمرار، دائما نكبّر الأمور ونخوض معارك سياسية كبيرة جدا، علىنا ان نمرّر هذه المرحلة بمعالجة أمور تتعلق بهموم الناس وحاجاتها الأساسية، وقد اقترحت كوزير للشؤون الاجتماعية بوضع نوع من الميثاق الاجتماعي أو العقد الاجتماعي، يشارك فيه مختلف القطاعات والمجتمع المدني والعديد من الوزارات. يجب أن نبدأ من هنا قبل التعديلات الدستورية، التي ليست بأولوية لدى الناس، فالهمّ الأول هو خلق الرابط الاجتماعي بين الناس، لأن لبنان مجتمع، قبل ان يكون مشروعا سياسيا، وهذا المجتمع يحتاج الى بناء نسيجه على أسس واضحة.
لا نتكلم بصوت خافت
> بدا في اجتماعات اللجنة الوزارية لاعداد البيان الوزاري انكم والوزير بطرس حرب تحاولان التعبير بصوت خافت، عن الاعتراض على بند سلاح حزب الله، ثم جاء اقتراح العماد ميشال عون على الرئيس نبيه بري سحب تداول موضوع الغاء الطائفية السياسية ونقاشه بين رؤساء الكتل البرلمانية، هل هذا التقارب في المفهوم السياسي بين مسيحيي 14 آذار و8 آذار يمهد لموقف مسيحي شامل للقضايا الدقيقة المطروحة بخفر على الطاولة?
- نحن لا نتكلم بصوت خافت، وجملة الاعتراضات التي سجلناها أحيانا بضوضاء اعلامي منذ تأليف الحكومة سواء في موضوع الصورة التذكارية للحكومة، أو الاعتراض على الطريقة التي أنتجت فيها الحكومة ومن ثم في لجنة الصياغة، كان الصوت واضحا جدا، لأن هناك قضايا لا يمكن ان تمرّ، فلكل منّا ثوابته، والحد الأدنى من الأمور التي لا يمكن التنازل عنها، لقد تمّ من الأساس تحضيرنا لتدجيننا في اللجنة، وكأنه مفروض علىنا القبول بشيء، من اعلان التفاهم بين الدول وعواصم القرار، وقد جرى خلق هذا الجو من أول جلسة للجنة، وموقفنا كان واضحا، وأشرنا اليه بطريقة حضارية ،لائقة، تحترم حرية الاختلاف، وقد قلنا منذ البداية انه يجب انضاج البيان الوزاري، وان يكون من صنع لبنان.
نحن لا نقف في وجه التفاهم بين اللبنانيين اذا بُني على أساس واضح، وقائم على ثوابت، وعلى أساس سلام الشرفاء والأقوياء لا على التكاذب بين بعضنا بعضا، وقد عبّرنا عن ذلك داخل اللجنة، وقلنا للوزير محمد فنيش بكل صدق ما نفكّر فيه، لذلك أردنا ان يتضمن البيان اشارة واضحة الى عدم وجود اجماع بين اللبنانيين على موضوع المقاومة، أليس هذا انجازا?! وهذا ليس بصوت خافت أبداً. طبعا من يدعم (حزب الله) يستطيع القول اننا انتزعنا حق التحرير والدفاع عن لبنان لحزب الله، لكن نحن استطعنا القول ان هذا ليس محط توافق واجماع.
من هنا علىنا ان ندرس على طاولة الحوار، الاستراتيجية التي تؤطر هذا العمل، فيستطيع (حزب الله) القول انه انتزع هذا الحق، ونحن نقول ان هذا الحق هو نظري، طالما انه مؤطر بالقرار 1701 وبالاستراتيجية الدفاعية، نحن لدينا حد أدنى ليس في موضوع السلاح بل بمفهوم الدولة، ولا يمكن ان تتعاقد الدولة مع المقاومة، أو أي جسم آخر، مهما كانت مشروعيته، لذلك رفضنا تضمين البيان، أي اشارة الى تنازل الدولة عن سلطتها وصلاحيتها، لأي سلطة أخرى موجودة على أرضها.
في كثير من القضايا المحددة كنا نلتقي مع ممثل العماد عون في اللجنة كقضية التوطين التي حرصنا على توفير أكثر ضمانات ممكنة لمنعه، هذا لا يعني ان الأطراف الأخرى كانت مع التوطين، وتواجهنا معها حول هذا الأمر.
المواجهة مع باسيل
> لكنكم تواجهتم مع الوزير جبران باسيل على موضوع سياسي يتعلق بالقضايا العامة وهذا يناقض ما تقولونه.
- المواجهات الأساسية التي حصلت تتعلق بموضوع السلاح، اما عدا عن ذلك فكان اختراعا لمعارك وهمية، واتفقنا مع الوزير باسيل وبشكل عفوي، وطبيعي، حول أمور تتعلق بالتوطين، لجهة اعطاء ضمانات ممكنة، لعدم الاشارة الى أي أمر يؤدي الي التوطين، هذا كما قلت لا يعني ان هناك أي خلاف مع الآخرين حول هذا الأمر، وإلاّ لكان رُحِّل الى طاولة الحوار، النقطة الوحيدة التي لم نتمكن من التوافق عليها هي المتعلقة بالسلاح، لذلك رحلت الى طاولة الحوار.
حتى ان العلاقات اللبنانية - السورية، لقد كان هناك ارادة، طالما يوجد تفاهم دولي، لترطيب الأجواء مع سوريا بالقدر الممكن، ونحن مع أفضل العلاقات مع سوريا، لكن مع التوجه الى ذلك بخطوة، خطوة، وبثبات ومن دون العجلة، ولا سيما ان هناك توافقا بين اللبنانيين على ذلك، فطاولة الحوار الأولى تناولت هذا الأمر، وكنا جميعا حريصين على انه طالما ان ذلك لا يضرب الصيغة، لنجد الصيغة الفضلى التي تعطي اشارة للبنانيين، بوجود حكومة قوية ليس لديها عقد، وتريد تنقية العلاقات مع سوريا، وتعطي اشارة قوية الى السوريين بأننا نريد التعامل معكم بندية وثقة وثبات.
انجازات سريعة
> يعني حكومتكم ستكون حكومة عمل وانتاج لا تصريف أعمال?
- المسار الذي بدأنا به يدلّ على اننا حكومة عمل وانتاج ما لم يحصل تطورات كبيرة في البلد، اذ ليس بمقدور أحد ان يتنبّأ بما سيحصل في لبنان، لكن هذه الحكومة بما تختزنه من طاقات فيها والسياسات التي ترغب في رسمها، والدعم الاقليمي الذي أتت به، قادرة على تقديم انجازات سريعة للبنانيين، ثمة فسحة استقرار الآن علينا الاستفادة منها، اذ ليس في كل مرة تتكرر هذه الفسحة، وهذا لا يعني ان نركن وان تسكرنا هذه الفسحة من الاستقرار، (يجب ان لا نتخدّر) ونقول ان كل مشاكلنا حلّت، بل علينا مواجهة المشاكل الأساسية، وهذا يكون عبر مجلس النواب وطاولة الحوار، والحكومة، يجب ان تحرِّك عجلة الدولة، وان تفتح الملفات الكبرى، السؤال هل نستطيع البدء بالاصلاحات الكبرى، كاصلاح النظام السياسي وسواه?! علينا ان ننظر أين نحن قادرون على العمل ونبدأ بالعمل، هذه المقاربة تحصّن الحكومة، لأن وجودها في ظلّ وضع المنطقة الهشّ لا يجعلها تمتلك الحصانة الكافية، وتحصين الحكومة يتم بالتقدم خطوة، خطوة ومن دون تكبير الحجر، وعلينا ألا نعد الناس، حتى لا يصابوا بخيبة، انما يجب ان نقدم لهم انجازات وان نصالحهم مع الدولة، ونعيد الثقة لهم بها، بأن لبنان ليس دولة فاشلة بل جديرة بالحياة، ونحن قادرون كلبنانيين، عندما يرفع الاخرون يدهم عنّا، ان نبدع ونخلق مساحة فيها قواسم مشتركة بيننا، وان اختلفنا في بعض الأمور، لكننا نكون عندها قد أنقذنا الوطن، هذه الرحلة يجب ان تبدأ من مكان ما، ولدي الثقة، بعد جلسات اللجنة الوزارية وبحسب النمط الذي نسير به، اننا قادرون علي التحدث الى بعضنا بعضا، والتفاهم على قضايا عملية، ان المشروع المشترك الوطني، هو ان نعوّد الناس على التواصل مع بعضها، اذا علينا تحصين مقاربتنا بالانجازات السريعة، والاعلام الايجابي المسؤول، من خلال تظهير قدرتنا على التواصل مع بعضنا بعضا وبناء الوطن.
يجب ان نرتقي بالخطاب السياسي، وما شاهدته في لجنة الصياغة هو ان الوزراء يتكلمون مع بعضهم بعضا بلغة مضبوطة، وجيّدة، عندما تكون هادفة.
الانسان يصنع موقعه
> من خلال حديثكم يتضح انكم كنتم تواقين لشغل منصب وزير الخارجية، نظرا لخبرتكم الواسعة في التفاوض مع الدول، لكنكم انخرطتم في حزب عريق دفعكم الي المطالبة بحقيبة التربية، فاصطدمتم بتركيبة الحصص فأتت بكم الى الشؤون الاجتماعية، فماذا كان شعوركم?
- أعتبر ان الانسان هو الذي يصنع موقعه أينما ذهب، فالفرس تعرف بالفارس، عندما كنت أعمل في جامعة تابعة للدولة الفرنسية، كانوا يضعوننا في المشاريع الميؤوس منها، لأن هناك أفضلية لابن البلد، فما كان منّي إلاّ انني حوّلت المشاريع الميؤوسة الى انجازات، لقد ذهبت أكثر من عشر مرات الى بنغلادش كخبير للاتحاد الأوروبي، واستطعت تحقيق انجازات، ولبنان بلد سهل لتحقيق الانجازات فيه، وأعتبر اينما وجدنا نطور العمل الذي نتسلمه. وفي وزارة الشؤون الاجتماعية ثمة جانب يتعلق بمحو الامية، سأتعاطى به مع وزارة التربية، وهناك شق آخر يتعلق بالتعاون مع المنظمات العالمية الحكومية منها وغير الحكومية، وتلقينا بالأمس دعوات من مجلس وزراء العرب للشؤون الاجتماعية ومن الوزير الفرنسي للشؤون الاجتماعية. وفي ظل العولمة فان عملنا هو جزء من العلاقات الخارجية والديبلوماسية، وأينما ذهبنا بصفة رسمية او غير صفة رسمية نعتبر اننا نمثل لبنان. وليس بالضرورة اذا لم يحصل الفرد على المنصب المؤهل له هذا يعني انه لا يستطيع العمل والانجاز.
ان مشروعنا السياسي والاجتماعي هو مشروع ابداعي، لا يستطيع أن يتوقع في اي وزارة او ادارة.
الفكر الايديولوجي
> أنتم من جيل تربى في بيئة يمينية، ثم انفتح يساراً في مرحلة الشباب، لينعطف يميناً في مرحلة العمل السياسي. هل هذا اكتناز لتجارب ثقافية سياسية، أم ضياع في الفكر استقر أخيراً في محيطه?
- ليس ضياعاً في الفكر انما هو الفكر المضعضع في الايديولوجيات. لسنا نحن مضعضعين. عندما يكون لديك في لبنان قضايا سيادية مطروحة، بحيث يكون لبنان وطناً نهائياً او لا يكون نحن يمينيون. أما في القضايا الاجتماعية التي تعني الناس وشؤونهم فنحن اشتراكيون ويساريون. أنا أنتمي الى حزب اسمه (الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، وهو الحزب الذي أطلق مفهوم العدالة الاجتماعية في لبنان، وهو الذي وقف خلف انشاء الضمان الاجتماعي. وحزبنا هو حزب العمال، ويوم العمل أقر بناء على اقتراح منا، أعتبر ان الحد من الفقر هو اولوية، ويجب أن تحصل الآن. والديمقراطيات في العالم مبنية اليوم على تكبير حجم الطبقة الوسطى. أي ان أحد أهم المؤشرات الى الديمقراطية في الدول، هو تكبير هذه الطبقة مهما كانت العقيدة السياسية التي تتحكم بهذه الدولة او تلك. اذ لا خلاف بين يمين ويسار في اوروبا على ضرورة تكبير حجم هذه الطبقة. وهذه تعني اعطاء المواطن الذي لا يمتلك الدخل الكافي، امكانات تمكنه من ممارسة حقوقه الانسانية والاجتماعية والاقتصادية كالحق بالتملك، الوظيفة، الضمان، المعرفة والوصول الى أعلى مراتب العلم، والحق في توفر البيئة النظيفة والسليمة. اذاً لا خلاف على هذه الامور التي أصبحت من صلب الحقوق مهما كان الفكر السياسي لمن يتسلم السلطة ويدير دفة البلاد. الاختلاف يكون فقط في الاولويات، ومن اين نبدأ، هنا الفرق بين اليمين واليسار.
الاول يعتبر انه بقدر ما تطلق يد الفرد لتحقيق مشروعه، نكون في خدمة مصلحته، أما اليسار فيعتبر ان الدولة تتحمل مسؤولية تأمين الحقوق للمواطن، وان تلعب دور الراعية، لا الناظمة كما يريدها اليمين. هذا النقاش نراه نظرياً أكثر مما هو عملي، اذ انه في تطبيق السياسات، هناك تشابه بين وجهتي النظر.
قصتي مع اليسار
عندما فتحت العلاقات بين فرنسا والصين، كنت موفداً من فرنسا الى الصين للاهتمام بمراكز التدريب للديبلوماسيين. وقد بنيت علاقات مهمة مع مدرسة الكوادر للحزب الشيوعي، وزرت الصين أكثر من عشرين مرة، وبرفقتي كبار المفكرين الفرنسيين للتفكير سوياً مع الحزب الشيوعي الصيني، للتوصل الى انتاج فكر شيوعي متجدد. والصينيون أنفسهم لديهم ما يسمى باشتراكية السوق.
أي لديهم الحاجة الى التوفيق بين الفكر الماركسي واللينيني والماوي، أي الاولوية للفلاحين والقرى، حيث ان 80% من الصينيين يعيشون في القرى، وضرورة السوق والتعاطي مع منظمة التجارة العالمية، يعني ان الصينيين أنفسهم خرجوا من الاصطفاف الايديولوجي الصارم خلف مصطلحات اليمين واليسار.
من هنا أهمية لقائي بكل من لديه فكر اكتنز معرفة، وعندما أتقوقع في اليمين او في اليسار فانني أخسر نصفي الآخر. لأنه في ذاتي هناك بعض من كل هذا، ويجب ان أتنور وأغذي نفسي، وأن أكون في حالة تطور، لكن هناك بوصلة ومعياراً، وهو الحق الانساني ومفاهيم العدالة الاجتماعية والمحافظة على حقوق الانسان. وفي لبنان معاييرنا معروفة، فنحن نريد وطناً له سيادة، ودولة تفرض هيبتها، ويجب على الدولة ان تساعد الانسان فيها، وان تخلق الحوافز ليتطور ويبدع، واللبناني ليس بحاجة كثيراً الى الدولة الراعية التي تهتم بتفاصيل اموره بقدر ما يريد الدولة التي تؤمن له الحماية من التأثيرات السلطوية والقمعية والاقتصادية ليتمكن من الانطلاق.
الشؤون بين (العونية) و(الكتائبية)!
> ماذا سيتغير في الشؤون الاجتماعية التي انتقلت ادارتها من وزير عوني الى وزير كتائبي.
- هذه الوزارة لم يدرها الوزير ماريو عون، الذي اتوجه له بكل تحية، فقد غمرنا بالكثير من العبارات الصادقة اثناء تسلمنا الوزارة، بنظرة ايديولوجية واضحة ومتزمتة. ونحن و(التيار الوطني الحر) ليس بيننا خلاف ايديولوجي بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. انما ثمة خلاف حول مفاهيم كبرى تتعلق بالتموضع السياسي. وجميعنا يريد توافر التوازن في لبنان وان تصل الحقوق للناس. ليس لدينا مقاربات اقتصادية ايديولوجية، فالوزير باسيل سيكون مؤتمناً على تنفيذ الخصخصة المنصوص عنها في مؤتمر باريس - .3 بمعنى ليس هناك صراع ايديولوجي مع التيار، لكن مهما كانت الامور فعلى الوزارة ان تنطلق من رؤية الوزير الذي يأتي الى الوزارة، ليس كمدير عام، انما ليعطي نفساً وتصوراً ويرسم سياسة مع الحكومة. ما سيتغير حتماً، بغض النظر عن الوزير السلف، هو مشاركة الجميع في العمل، وقد اعطيت اشارة في اول اجتماع عقدته بعد تسلمي الوزارة، حيث جمعنا الموظفين جميعاً، واكدنا بأن الجميع مسؤول عن هذه الوزارة، الرئيس والمرؤوس يكون بحدود الوزارة، فالرئىس هو الذي لديه مسؤولية وعبء اكبر من سواه. ومن الخطأ ألا يتم توزيع المسؤولية والعبء على الجميع من اكبر الموظفين الى اصغرهم والاشارة الثانية التي اعطيتها، هي الشراكة الحقيقية داخل الوزارة. وشراكة الوزارة مع المجتمع المدني. ونحن احدى اكثر الوزارات تعاطياً مع هذا المجتمع، ومع القطاعات الاكثر حاجة فيه، ومع الشرائح الاكثر تهميشاً من نساء على اطفال ومعوقين ومسنين.
لا يمكنني الجلوس في برج عاجي واطلاق التصورات، بل يجب ان اتشارك مع هذه القطاعات في اعداد القرار، لذلك كان اصراري على الاجتماع مع جميع الموظفين ليضعوا تصورهم، بحيث سنقوم بالشراكة وفقاً لمعايير موجودة لدينا، وسنسعى الى اعتماد هذه المعايير واقرارها، وتكون مبنية على تعاقد قائم على معايير واضحة، وهذه المعايير تأتي بناءً على الميثاق الاجتماعي، الذي يجب ان يكون فيه التزام من قبل كل الدولة لقد حان الوقت لنكون رائدين في العالم العربي على صعيد هذا المجال. بعض الدول الاوروبية تجرأ على الدخول في هذا الامر. وعندما نتكلم عن الجمعيات، فهناك جمعيات دينية وغير دينية، وعلينا ان نلتزم بالمعايير الموضوعة. وهذه المعايير ليست للضبط، بل هي جوافز للابداع والتقدم. فيجب وضع معايير مرحلية لتتمكن الجمعيات من تحقيقها، من اجل مزيد من التقدم، في ظل مواكبة الوزارة لهذا المسار. لقد اعطينا مؤشراً للجمعيات، وقلنا لها ان هناك جمعيات امضت 30 عاماً تعمل مع الوزارة، فاذا كانت لا تستطيع العمل من دون دعم الوزارة فهذا يعني انها فاشلة، لانه خلال هذه الفترة كان عليها ان تتمكن من خلق البيئة المحيطة بها والتي تساعدها على العمل بمفردها. ويجب ان نعطي الفرصة للجمعيات الجديدة وللافكار الجديدة، اريد للطلاب في الجامعات والمدارس ان يخلقوا افكاراً وهؤلاء ليسوا بحاجة الى امكانات كبيرة.
وهناك فكرة يعود الفضل فيها للرئيس امين الجميل وتبناها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، هي تحويل لبنان الى مساحة للحوار بين الثقافات والحضارات فنحن قادرون على اعطاء النموذج في ذلك. اذا اجتمعت الجمعيات اللبنانية، واقامت حواراً مع بعضها بعضاً، فهذا ملخص عن الامم المتحدة، اذ لدينا 18 طائفة، ومن مشارب متعددة، ولدينا لغات متنوعة، وبالتالي فاننا نستطيع البناء على قواسم مشتركة، لننطلق الى العالم كنموذج دائم للميثاق الاجتماعي. ما يهمني هو الا نكتفي ببناء هذا الميثاق، انما تحويله الى مؤسسة دائمة للحوار، وامتلك في ذلك تصوراً بايجاد منتدى دائم لجمعيات المجتمع الاهلي تلتقي فيها. فاذا اختلفنا مثلاً مع (حزب الله) حول ولاية الفقيه، يأتي مفكرون من عندنا ومن حزب الله ومن الفرقاء الآخرين للبحث في هذه النقطة. ليس المهم وضع الناس الى جانب بعضهم بعضاً، والقول ان هذا هو التعايش، بل المهم الجلوس، والبحث في المفاهيم، والعمل سوياً بالمشاريع نحن في لبنان كالموزاييك يعيش كل منا بمفرده، بينما المطلوب اندماج اكثر، لا ان يبقى كل منا منعزلاً بحجة الخصوصية. وهدف المجتمع وضع جسور بين الناس. ودائماً اقول للمسيحيين اننا لم نخرج من كهوف وادي قاديشا في القرن السادس عشر، لنعود اليها في القرن الواحد والعشرين، لا نريد التقوقع والانكماش على الذات، بل يجب ان ننفتح على كل الناس.

         



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire