dimanche 23 mars 2014

Massira (28-01-2007)


"المسيرة" منبرًا اعلاميًّا
لـ"شبكة استراتيجية للبنانيين الناشطين دوليًّا"
الكاتب خاص - المسيرة  




مع مطلع سنة 2007 تنطلق شبكة استراتيجية لمجموعة من اللبنانيين الناشطين على نطاق دولي يمثلون نواة لنخبة من الباحثين والرواد المقيمين والمغتربين في مختلف مجالات الابحاث والاقتصاد والاعمال والمفاوضات والاتفاقات الدولية
... لتكون "المسيرة" منبرًا اعلاميًّا لمسيرتهم!... الشبكة بدأت بجلسة قراءة لواقع حال اللبنانيين اصحاب المبادرات والنشاطات الدولية، والصعوبات التي يواجهونها والاقتراحات التي يتقدمون بها لوضع لبنان على طريق النهوض وجعله يستفيد من خبراتهم وتعزيز صورته في مختلف المحافل الدولية التي يوجدون فيها كوطن يسعى إلى السلام والازدهار.
تتشكل هذه النواة من مؤسس "مركز دراسة النزاعات وسبل حلّها" مديره الخبير في شؤون الديبلوماسية والمفاوضات الدولية الدكتور سليم الصايغ، ورئيس نادي خريجي جامعة  Harvardالخبير في مجال الاعمال الدكتور حبيب الزغبي، الناطق باسم حركة اللبنانيين المغتربين عضو نادي خريجي جامعة Mit الدكتور جبران كرم، الخبير في مجال الطب والناشط في حركات اغترابية عدة الدكتور هادي ابي راشد، رئيس الاتحاد العالمي لرجال الاعمال اللبنانيين روبير جريصاتي، فضلاً عن الامينة العامة للشبكة الباحثة الزميلة سهام رزق الله.

ميزة الشبكة التي يتم اطلاقها بين مختلف الاطراف المشاركين انها تسعى إلى ان تكون صلة وصل بين الرواد اللبنانيين الذين لهم نشاطات عدة في مختلف البلدان بحيث يمثلون سلسلة روابط مهمة بين اللبنانيين المقيمين والرياديين في مجالات عدة من الاقتصاد والاعمال والدبلوماسية والمفاوضات الدولية...
 والمغتربين اللبنانيين اصحاب المواقع البارزة في مختلف هذه الميادين في مختلف بلدان الانتشار اللبناني، بما يسهل تلمس العوائق وتسهيل التواصل وتقديم الاقتراحات المناسبة التي تسمح من جهة للمقيمين بالاستفادة من خبرات عمل المغتربين وشبكاتهم، وتتيح من جهة اخرى للمغتربين المساهمة في نهضة وطنهم الام وعيش المواطنة بحقوقها وواجباتها بما يتخطى تقديم دعم مالي إلى ذويهم وتحسين وضع ميزان المدفوعات او المطالبة بالمشاركة في الانتخابات وتسهيل معاملات السفارات...

انطلاقًا من خبرات المشاركين فيها، تسعى هذه الشبكة إلى تقديم قراءة علمية وموضوعية لمدى انخراط الاغتراب اللبناني في القضايا اليومية ومواضيع الساعة اللبنانية ومساهمتهم في رسم الصورة المناسبة عن لبنان الساعي إلى عيش السلام والازدهار والتنمية...

عن هذا الواقع يقول الدكتور سليم الصايغ ان اللبنانيين اينما كانوا لديهم هاجس دائم هو مساعدة لبنان... ولكن اي لبنان؟ لبنان الحلم الجميل الذي يحلمون به، لبنان المساحة الانسانية والروحية، لبنان المساحة الفكرية... مع الفارق الكبير بين الواقع والمرتجى! كأن المغترب اللبناني يحمل معه "لبنانه" هو بغض النظر عن الواقع والظروف التي
يمر بها هذا الوطن... وفي انتظار قيام لبنان المشروع الوطني!

أكثر من ذلك، ينبغي الاشارة الى ان الدولة اللبنانية لم تتمكن من تعبئة الطاقات الشبابية والاستفادة من الانتشار اللبناني الموجود اليوم في مواقع بارزة في المحافل الدولية وله كلمته في مختلف عواصم القرار ويسعى بكل جهده إلى مساعدة وطنه حتى لو لم تتح له الدولة اللبنانية فرصة المشاركة في وضع خطة مستقبلية ورؤية واضحة للسنوات المقبلة لبناء هذا الوطن وتجسيد تطلعات ابنائه فيها ولو لم تسمح هذه الدولة بالمشاركة في الانتخابات او احيانًا بالحصول على حقه في الجنسية...

ولكن ما هي المشكلات والتحديات التي يواجهها اللبنانيون الناشطون دوليًّا لإظهار ثمرة جهودهم في لبنان؟ وما هي الصعوبات التي يصادفونها حيال تمكين وطنهم من الاستفادة من خبراتهم الدولية والتمكن من تطبيق المبادئ والطرق الحديثة التي اكتسبوها في الخارج في وطنهم لبنان: صعوبات مادية، ادارية، ثقافية، اجتماعية، علمية... أم أكثر صعوبات تتعلق بالعقلية السائدة في مجال الاعمال التي يقومون بها او اسلوب العيش؟...

يشرح الدكتور حبيب الزغبي ان اللبناني الذي يعيش في الخارج لديه في معظم الاحيان شعور بفقدان الأمل والثقة بالدولة اللبنانية ولا تكفيه حوافز ضريبية او تسهيلات ادارية ما للعودة والاستثمار. فمن خرج من لبنان محبطًا من الوضع القائم ينتظر صدمة ايجابية حقيقية لاستعادة الثقة والشعور بالاستقرار للاستثمار في وطنه من جديد.

مر لبنان بمرحلة استعادة ثقة في اولى سنوات التسعينات: 1992 – 1996 أي مرحلة اعادة الاعمار... ولكن تبين له غياب الخطة الاقتصادية المستقبلية! عملية النهوض واعادة بناء الوطن تحتاج اولاً إلى وضع استراتيجية واضحة للسنوات المقبلة تقدم التوقعات العلمية عن الدور الاقتصادي للبلد والفرص المتاحة. وابعد من ذلك عندما ظهرت معالم الهيمنة السورية على لبنان والسعي مرارًا إلى تشكيل حكومات وحدة وطنية في تلك المرحلة، اعاد المغتربون حساباتهم وقراءتهم لمستقبل الاستقرار الاقتصادي في وطن يفتقد إلى الاستقرار السياسي...

وبدلاً من معالجة هذه الملفات والعمل على استعادة ثقة المغتربين بوطنهم تفاقمت الازمة مع موجة الهجرة الاخيرة التي حصلت منذ اشهر لتزيد من قلق الجميع مغتربين ومقيمين... وبات موضوع اعادة اطلاق مبادرات من هذا النوع اشد صعوبة.

لكن كل هذه الصعوبات التي جعلت من المغتربين اللبنانيين يترددون في الاستثمار في لبنان لم تحل دون مجيء مستثمرين عرب. فماذا الذي شجع المستثمرين العرب على توظيف اموالهم في لبنان طوال المرحلة الماضية ولم يجده اللبنانيون؟

يجيب زغبي ان معظم الاستثمار العربي اتى الى لبنان نتيجة فائض في السيولة في البلدان العربية والفورة النفطية التي شهدتها بلدان الخليج العربي والفرص المتوافرة في مجالي القطاع العقاري والقطاع الفندقي والسياحي... في حين ينظر اللبناني الى ما هو ابعد من الربح المادي، إذ ينظر الى المعطيات السياسية ويقرأ حال وطنه بعين المعاني والمتأثر والمتفاعل مع كل حدث والمحلل لكل ابعاده...

ويتابع الشرح رئيس الاتحاد العالمي لرجال الاعمال اللبنانيين روبير جريصاتي، فيقول ان معاناة المغتربين تنتج ايضًا عن التجاذب السياسي والطائفي في الداخل والخارج وخير برهان ما حدث أخيرًا مع الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم التي كان ينبغي ان تبقى فوق التجاذب السياسي والطائفي. الا ان الطابع السياسي والطائفي طغى عليها وكان الانقسام بين جامعة المغتربين التي كانت حينذاك مناهضة للوصاية السورية على لبنان والجامعة اللبنانية
الثقافية التي كانت مع الدولة الرسمية. من هنا، يشكو اللبنانيون المغتربون كما المقيمون من كل انواع الانقسامات.

فمجموع الجالية اللبنانية هو في حدود 15 مليون نسمة ولكن ينبغي النظر الى نسبة الذين لا يزالون يحافظون على روابطهم مع الوطن الام. فالجيل الثالث او الرابع من العائلات المغتربة روابطه ضئيلة بلبنان، بخاصة ان اللبنانيين بطبيعتهم ينخرطون سريعًا في المجتمع الذي يعيشون فيه. أكثر من يحافظون على الروابط مع الوطن الام هم المغتربون حديثًا او الذين لا يمكنهم الحصول على جنسية في بلد الاغتراب لاسباب دينية او قانونية...

مع الاشارة الى ان الاسباب الرئيسة التي تجعل اللبنانيين يترددون في المجيء والاستثمار في بلدهم هي يأس اللبنانيين وسأمهم من السياسة الداخلية اللبنانية والنزاعات الطائفية كما هي بسبب فشل الحكومات المتتالية في تقديم الاطار المناسب لاجتذاب المغتربين والفسح في المجال امام مشاريعهم الاستثمارية.

فالخطوة الاولى التي قامت بها الدولة اثناء تولي الدكتور سليم الحص رئاسة الحكومة تمثلت في عقد المؤتمر الاول لرجال المال والاعمال اللبنانيين في 1996 – 2000 ويعتبر جريصاتي ان هذا المؤتمر لم يحقق النتائج المرجوة منه لان الدولة اللبنانية لم تكن مجهزة لمشاريع استثمارية لهؤلاء المغتربين الوافدين الى وطنهم.

لبنان يمثل اهم دولة اغترابية في العالم العربي، لكن معظم الدول العربية لديها "ملحق اغترابي" ما عدا لبنان حيث تقول الدولة ان لا ارصدة مالية لتمويله، فضلاً عن فضائح مرسوم التجنيس الذي حصل بموجبه الوف الاجانب على الجنسية اللبنانية في حين يناضل المغتربون منذ سنوات للحصول عليها من دون نتيجة. كذلك يجد المغتربون صعوبة في القيام بمشاريعهم في لبنان ويعانون نفوذ بعض الزعماء الذين يطلبون "خوّة" للسماح لهم بتنفيذ المشاريع في مناطقهم!... كذلك يعاني لبنان تأخرًا في البنى التحتية الضرورية للاستثمار خصوصًا في مجال الاتصالات وافتقاد الانترنت السريع
ADSL في حين اصبحت الدول العربية في عصر ADSL-2!...

اما مجيء العرب للاستثمار في لبنان على رغم كل هذه الظروف التي تجعل اللبناني يتردد، فيراها جريصاتي مرتبطة بعوامل عدة ابرزها: وجود فائض مالي في الدول العربية ولاسيما منها المصدرة للنفط، دخول العرب لبنان عبر شريك في اعمالهم مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ضيق الفرص والاسواق عليهم في البلدان الغربية خصوصًا بعد احداث 11 أيلول، فضلاً عن الجو الانفتاحي في لبنان الذي يتقبل كل الثقافات واساليب العيش على انواعها، وامتلاكه مناخًا سياحيًّا متنوعًا وفريدًا في المنطقة، وميزات اقتصاده الحر والليبرالي، وحرية الربح وتحويل الأموال والسرية المصرفية...

اذًا يتبين ان المشكلة مزدوجة: مشكلة في القوانين والتشريعات من جهة ومشكلة في التطبيق (تأخير معاملات، رشاوى، نقص حوافز استثمارية للمغتربين...)؟ ولكن اليوم يطالب المغترب بحق الانتخاب في حين ينظر اليه لبنان المقيم في شكل اساسي كمصدر تمويل... فكيف يمكن قراءة واقع الحال الاغترابية على هذا المستوى؟

يقول الدكتور جبران كرم إن الحركة اضطرت الى الاجابة عن اسئلة كثيرة بطريقة علمية وجذرية بدءًا من تحديد اللبناني، وهو وفقًا للقانون كل شخص يحمل الهوية اللبنانية، واسمه مدرج على لوائح الشطب، في حين توجد جالية لبنانية منتشرة في مختلف دول العالم تصل الى 15 مليون لبنان الأصل يمكن توزيعها ثلاث فئات:

· المغتربون الذين هاجروا قبل اتفاق "لوزان" ولبناني الكبير وهم لا يحملون الجنسية اللبنانية ولا يمكنهم المطالبة بها ويحتاجون إلى مسار قانوني طويل لذلك.
· المغتربون الذين غادروا لبنان بأوراق الانتداب الفرنسي وولدوا في دولة لبنان وكان لديهم الخيار ان يحصلوا
على الجنسية اللبنانية لاولادهم الذكور وفقًا للقانون الحالي لكن عددًا كبيرًا منهم اهمل ذلك.

· الاغتراب الحديث بين اعوام 1975 – الثمانينات واواخر الثمانينات والموجة الاخيرة التي لم ترد اسماؤهم جميعًا على لوائح الشطب وهم يؤمنون 25 في المئة من الناتج المحلي اللبناني ويملكون اكثر من 30 في المئة من الملكية العقارية وقسم كبير منهم يجد صعوبة في نقل الملكية الى الاناث من أولاده، اذ ليس لديهن الجنسية اللبنانية والقانون اللبناني يمنع تملك الاجانب وبالتالي يتبين ان بين 20 و 40 في المئة من اصوات الناخبين موجودة في الخارج. ويقول كرم ان افضل ارقام قبلت بها الدولة اللبنانية تنص على وجود 500 الف صوت انتخابي لبناني في الخارج، وقد اتهمت القوات اللبنانية بتقديم هذه الارقام في حينه، لكن ارقام حركة اللبنانيين المغتربين تقدر مجموع عدد اصوات الناخبين في الخارج بحوالى المليون لبناني اذا احتسبنا اصوات اللبنانيين الذين يعملون في الخارج ان في بلدان الخليج والدول العربية او افريقيا او حتى اوروبا واميركا... هؤلاء اذا صودف وجودهم في لبنان يمكنهم المشاركة في الانتخابات، اما اذا صودف وجودهم في الخارج بحكم عملهم فلن يتمكنوا من ذلك.

وهنا يحاول الدكتور هادي ابي راشد ان يستجمع تشخيص المشكلة ويلخصها بالقول ان مجمل المشكلات التي يعانيها اللبناني المقيم يحملها اللبناني المغترب معه. لكنه يشدد على سعي المغتربين إلى تخطي كل العوائق والتوحد لخدمة لبنان. ويؤكد في هذا الاطار تجربة الاغتراب اللبناني في روما حيث تشكلت في البداية جمعية اللبنانيين المسيحيين في ايطاليا لكنها لم تكن فقط للمسيحيين بل وضمت لبنانيين من مختلف الطوائف. ولئلا يبقى الموضوع جردة مشكلات يعتبر ابي راشد ان الوقت حان للتفكير بإعادة بناء الدولة اللبنانية من جديد على كل الصعد. فالمغتربون لا ينتظرون ان تتغير الامور فقط ليأتوا الى لبنان، بل ويطمحون إلى المشاركة في إحداث هذا التغيير كنقلة نوعية تطرح مشروعًا متكاملاً لبناء الوطن سياسيًّا، اقتصاديًّا، ثقافيًّا، فكريًّا...

اذًا ينبغي ان ينتقل السجال الى موضوع تقديم رؤية جديدة إلى لبنان المستقبل. الحلول الآتية لم تعد تجدي نفعًا واصبحنا على مفترق طرق مهم يستدعي اعادة النظر الشاملة واعادة اطلاق مشروع بناء الوطن على مستوياته كافة؟

يؤكد الدكتور الصايغ ان الحديث مع الشباب اللبناني يظهر ان اللبنانيين غير مقتنعين بالنظام السياسي القائم. خلافهم ليس على الصيغة او ميثاق العيش المشترك الاسلامي – المسيحي، الجميع مقتنع بوحدة لبنان ولا احد يطالب بالتقسيم انما السجال انتقل الى البحث عن اي لبنان نريد؟ هل لبنان الذي بنيناه ونفكر فيه يفصل السياسة عن الاقتصاد؟ طوال 15 سنة كان لبنان ممنوعًا ان يكون له عصب اقتصادي.كان التوجه على طريقة: افعلوا ما تريدون لكسب المال وخصصوا لنا حصة منه، ولكن حذار اي عمل له امتداد سياسي حيث تكون كل حركة مراقبة.

ولكن من المعروف، خاصة في الشرق، أن من غير الممكن فصل الإقتصاد عن السياسة. خلافا لما هي الحال في اوروبا حيث فصلت العملة والسياسة النقدية عن السياسة العامة للدولة بحيث اذا اتت حكومة من اليمين او اليسار لا تتغير السياسة النقدية وربما السياسة الاقتصادية في شكل جذري. أما في لبنان فكان الظن ان في الإمكان تقليد اوروبا على هذا الصعيد، لكن الأساس يبقى في الثقة، والثقة ليست اقتصادية انما سياسية، ولكن نظرًا إلى الظروف السياسية التي كانت سائدة خلال الأعوام الـ 15 الماضية والوصاية السورية على لبنان، حاول اللبناني إكمال المسيرة اقتصاديًّا، ايًّا تكن التطورات السياسية، فتابعت القطاعات الاقتصادية نشاطها بما يشبه احيانًا العمل الفدائي بخاصة بالنسبة إلى القطاعات الانتاجية الصناعية ولكن من دون تحصين النفس بمشروع بنيوي
متكامل... الى ان بلغ لبنان نقطة ينبغي فيها تلاقي الاقتصاد والسياسة.

هذا يعني اننا بنينا اقتصاد سلام في حين كنا نعيش حال حرب؟
يشرح الدكتور الصايغ اننا كلبنانيين ظننا ان الحرب انتهت عام 1990 – 1991 في وقت كان لبنان في حال حرب مستمرة مع اسرائيل. وتم توقيع اتفاقات تحرير تجارة بخاصة مع البلدان العربية ودخل لبنان في التزامات اقليمية قبل ان يكون قادرًا على تنفيذها وقبل التأكد من انتهاء الحرب وحصول السلام، فكانت النتيجة ان قام بخطوات متقدمة من دون ان يحضر "الخطة ب" او "الاستراتيجية البديلة" في حال لم تنجح تلك التوقعات والخطوات. اما اليوم فثمة مشاريع كثيرة يمكن اطلاقها ولكن ينبغي ايضًا ايجاد الاطار المناسب لها.

فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل معظم الاقتصاد اللبناني، اي حوافز مؤمنة لها؟
هنا يعطي جريصاتي مثالاً عن هذا الواقع بالإشارة الى الصندوق الذي اطلقه الاتحاد الاوروبي منذ مدة بقيمة 300 مليون اورو ولكن لم يتم التمكن من الاستفادة منه نظرًا إلى التنازع السياسي الذي حصل عليه.
ولكن ما السبيل إلى ايجاد جامع ما بين اللبنانيين اقله لحماية مصالحهم؟

يجيب الصايغ ان لبنان يفتقد المشروع الجامع. يجوز ان يكون المرء على خلاف او اشكال مع اخوته ضمن المنزل الواحد ولكن متى اجتمعوا على مشروع بناء منزلهم يتخطون السجالات الضيقة وتنصب كل جهوده على انجاح المشروع المشترك وتحقيق الهدف المنشود.

ويؤكد ابي راشد ان انقسامات اللبنانيين طاغية لان لبنان بكل بساطة يفتقد الدولة القوية. فلو لدينا دولة قادرة وممسكة بوضع البلاد على كل الصعد، كما هي الحال في سائر بلدان العالم، لكنا اعتمدنا مبادئها وسرنا وفقًا لتوجهاتها. الاسباب والمشكلات كثيرة لكن المطلوب هو: اعادة بناء الدولة من جديد! ولكن حتى لو اتفق اللبنانيون على هذا المطلب هل يتفقون على هيكلية هذه الدولة الجديدة وهذا اللبنان الذي نريد؟ هذا هو السؤال الاساس.

بعد تمعن بالسؤال من جميع المشاركين، يأخذ جريصاتي الكلام ليضيف سؤالاً إلى السؤال: صحيح، هل تعتقدون ان الجميع مُجمع على ان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه؟ الكل يشكو من النظام الحالي ولكن لا احد يجرؤ على طرح استبدال الطائف. يتحدثون عن تعديلات وتحسينات ضرورية... لا احد يجرؤ على الحديث عن اعادة بناء الدولة من جديد.

فيتولى الصايغ التوضيح أن الموضوع ليس بالغاء اتفاق الطائف انما بتحسينه. الطائف نظام سياسي لكن المشكلة هي وجوب اعادة التفكير بتركيبة الدولة ككل ومعرفة الطروحات التي يتم تداولها. على سبيل المثال، نسمع كثيرين من الشباب يتحدثون عن ضرورة اقرار اللامركزية الادارية في حين نلاحظ ان قلة منهم تدرك معناها الحقيقي. كذلك يعاد طرح موضوع الفديرالية التي كان طرحها من المحرمات اما اليوم فتستدعي قراءة علمية والتنبه الى ان الفديرالية لا تعني الاستقالة من الوطن، ثم ان الخلاف السياسي او الانتخابي او التجاذب الذي يأخذ طابعًا طائفيًّا، ينبغي الا يؤدي الى احراق البلاد او تقسيمها، اليوم توجد راديكالية قوية في لبنان قد تكون ناتجة عن ضعف الفكر السياسي. ويلاحظ جريصاتي ان هذا الجو السياسي يقسم بعنصرين:

· عنصر ايجابي يتمثل بأن الانقسام اليوم سياسي ويوجد في كل فريق طوائف مختلفة.
· عنصر سلبي يتمثل بالميل التخويني والاتهامي عند كل من الفريقين، الواحد تجاه الآخر: فريق يتهم الآخر بانه اميركي – يهودي، والآخر بأنه سوري – ايراني!

فالثقة تعود الى الوطن بعودة افرقائه كلبنانيين الى طاولة لبنانية لبناء د ولة لبنان الجديد. ينبغي الأخذ بعبر الماضي والبناء للمستقبل انطلاقًا من الأفكار المشتركة القائمة والاتفاق على عدم تخوين بعضنا بعضًا، بغض النظر عمن معه حق اكثر من الآخر في البداية. فما دام هناك فريق لا ينخرط في عملية بناء الدولة لا يمكن تحقيق هذا البناء، إذ لا يمكن فرض اي شيء على اللبنانيين بالقوة. وفي نهاية المطاف لا بد من الجلوس إلى طاولة واحدة ووضع الافكار كلها والتوصل الى جوامع مشتركة لبناء الدولة الواحدة.

لكن السؤال من اين ينبغي ان نبدأ لكسر الحلقة المفرغة والقيام بالخطوة الاولى؟
يقول كرم ان نقطة الانطلاق الاولى هي من لبنان لانتاج فكر سياسي متكامل. فلبنان لم ينتج فكرًا سياسيًّا طوال 30 سنة. وينبغي العمل على انخراط الجالية اللبنانية في مختلف بلدان الاغتراب في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبنان مراجعة كل النصوص القانونية التي تتعلق بمشاركتها في الانتخابات او حصولها على الجنسية او انتقال ملكيتها...

ويلفت كرم الى ان اللبنانيين الذين يعملون على نطاق دولي يجدون ان المؤسسات الحكومية والاقتصادية اللبنانية غير جاهزة لتلقف مساهماتهم وخبراتهم بطريقة مفيدة. فيشعرون بصدمة اختلاف الثقافة بما يؤدي الى تراجع اهتمامهم وانخفاض مساهمتهم. لذلك نراهم يتحولون اجمالاً الى العمل على صعيد فردي او مناطقي او غالبًا من خلال منظمات غير حكومية محلية لتفادي التعقيدات الادارية والبوروقراطية في القطاع العام.

اذًا هنا ينبغي التمييز بين تعامل المغتربين مع القطاع العام وتعاملهم مع القطاع الخاص؟

يؤكد الصايغ ان هناك فارقًا شاسعًا بين القطاع العام والقطاع الخاص في لبنان. القطاع الخاص وتحديدا قطاع الاعمال يتسم بالتدقيق في العمل والتوضيح ومراقبة كل التفاصيل، خصوصًا ان هذا المجال يقتضي التواصل مع الخارج ويستدعي التزام معايير دولية معروفة. في حين تبدو الصورة مغايرة تمامًا في ما يتعلق بكل ما هو خلط داخلي وسياسة عامة.

من هنا، ضرورة العمل على تعزيز التواصل بين لبنان المقيم والمغترب وتفعيل الابحاث ذات النوعية الرفيعة في الدراسات والتحاليل والمعلومات الجديدة ووسائل العمل الحديثة. من الضروري ان يكون التركيز على عنصر الخلق والابداع والامتياز لان اللبناني لا يحق له ان يكون مجرد ناجح انما عليه ان يسعى ليكون مميزًا ومتفوقًا وسابقًا غيره. فلا وجود واستمرار للبناني ولا موقع له في العالم الا متى تدرج صوب الامتياز.
لكن هذا الامتياز والبحث والتقدم تتطلب مقومات وتسهيلات وحوافز... ما هي؟

يجيب جريصاتي ان ذلك يستدعي تعزيز الخدمات بدءًا بالحصول على الانترنت السريع بأقل سعر ممكن، كما هي الحال في سائر الدول العربية. فالاتصالات مثلاً في لبنان هي الأغلى بين تكاليفها في دول المنطقة ولا توجد منافسة بين شركات عدة في السوق، ولا توجد سلة حوافز كما هي الحال في البلدان العربية (برنامج
Computer for Everybody، اتصالات مجانية ليلاً، الرسائل القصيرة المجانية، الانترنت في نهاية الاسبوع مجانًا...)
الا يقودنا ذلك الى تبين اهمية ادارة القطاع الخاص لهذه الخدمات بما يسمح بتحسين انتاجية مؤسساتها وفاعليتها الاقتصادية وتحسين مؤشر النوعية/ السعر لكل منها؟

يؤكد المشاركون ذلك. ويشير الصايغ كيف ان القطاع نفسه تختلف نتيجته بين خاسر ومربح، اذا كان يدار من القطاع العام او القطاع الخاص. وخير مثل على ذلك قطاع الكهرباء.

وبعد استعراض مجمل المشكلات والشكاوى التي يطرحها اللبنانيون الناشطون دوليًّا في مختلف بلدان الاغتراب اللبناني في مختلف المجالات وصعوبات استفادة لبنان من خبراتهم، ما هو المنفذ لإحداث النهضة المنشودة ووضع لبنان على مسيرتها؟

يشير جريصاتي الى انهم من خلال خبرتهم كرجال اعمال ومستثمرين شباب في بلدان عدة يتبين ان الاولوية المطلوبة هي تشكيل "لوبي نخبوي لبناني" من باحثين وخبراء ومستثمرين ورجال اعمال ومثقفين وناشطين في مختلف القطاعات والمجالات. فذلك يسمح لهم بأن يتعاونوا في ما بينهم في بلد الاغتراب الذي يندرجون فيه، ويساعدهم على التعاون مع المغتربين اللبنانيين في سائر بلدان الانتشار ومع اللبنانيين المقيمين.

اما الصايغ فقال: اذا كانت مقاربتنا هدفها دعم الدولة اللبنانية ينبغي انتظار ان تقوم الدولة، ولكن من الآن الى حين ان تقوم الدولة من الضروري تشكيل الشبكة لأن لبنان الذي علينا ان نقتنع به هو الوطن والرسالة والمساحة الروحية الكبيرة جدًّا. فاذا كان من دور للمثقفين، فهو ان يعززوا التغني بالهوية اللبنانية ويسهموا في خلق نوع من العصبية اللبنانية، عصبية ثقافية وعصبية الانتماء الى لبنان والهوية اللبنانية.

صحيح ان اللبناني قانونًا هو حامل الجنسية اللبنانية، ولكن ابعد من ذلك ثمة لبنانيون في بلدان الاغتراب اللبناني لا يتكلمون  اللبنانية لكنهم يحافظون على كل التقاليد اللبنانية ويشعرون بانتماء إلى هذا الوطن، وهذا الشعور يحتاج إلى ان تبث به الروح. وبث الروح اللبنانية لا يمكن ان يحققه الرجل او المسؤول السياسي وحده، بخاصة اننا لا نرى اليوم في الدولة اللبنانية عمالقة سياسيين يخططون للبنان عام 3000. ونأمل ان شاء الله ان ينوجدوا.

في الوقت نفسه علينا كاغتراب لبناني وكلبنانيين ناشطين دوليًّا ان نكون مهيأين ونكوِّن شبكة كصلة وصل بيننا ونخلق العصبية اللبنانية المنشودة، بحيث نكون حاضرين متى وجدت الفرصة المناسبة لنشق طريق النهضة فنوحد المغتربين حول مشروع واحد: يمكن ان يكون مشروع هوية او مشروعًا فكريًّا او مشروعًا استثماريًّا... كما فعلت حركة المغتربين اللبنانيين
 (
Lebanese Abroad Movement) التي جمعت المغتربين حول مطلب المشاركة في الانتخابات في لبنان فأصبح كل من يريد ان يكون مقبولاً في الانتخابات يرفع هذا المطلب، وبذلك يكون المشروع نجح. هكذا فالمطلوب اليوم هو تشكيل لوبي لبناني بهيكلية افقية لا عمودية بحيث تتكون كرة ثلج وتكبر وتتفاعل بين المقيمين والمغتربين ويكون للمقيمين الناشطين دوليًّا دور اساس هو صلة الوصل بين الداخل والخارج لانهم يتنقلون ويجمعون افكار الجميع وجهودهم.

كذلك اعتبر كرم ان المنفذ ينبغي ان يكون سياسيًّا ايًّا يكن المجال المقصود، اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا ... ولاحظ الصايغ، بما ان لبنان مدوّل، وجوب ان يقوم المغتربون بضغط في العواصم الموجودين فيها لكي تضع الدول المانحة شروطًا لتعزيز الشفافية وتحقيق الاصلاح الاداري قبل تقديم الدعم المطلوب في المؤتمرات مثل باريس – 3.

ولفت جريصاتي الى ان لا تضارب بين عمل اغترابي وآخر انما العمل الاغترابي كبير ويحتاج الى تضامن كل الجهود من جانب كل الهيئات المعنية لتحقيق الاهداف المنشودة.

اما ابي راشد فخلص الى اعتبار ان ايجاد المنفذ هو البند الاساسي. فاذا كان السبب الرئيس الذي حال دون مجيء المغتربين هو غياب الاستقرار السياسي فالحل يكون بإعادة تأسيس الوطن لتحقيق هذا الاستقرار.
وفي الخلاصة سلط الصايغ الضوء على ان اللبنانيين المغتربين صدموا في مرحلة من المراحل في مواضيع ما، وهم يحتاجون إلى اعطائهم واعطاء لبنان فرصة ثانية، والمتابعة مع المثقفين والدبلوماسيين ورجال الاعمال لإسماع اصواتهم في كل بلدان الانتشار في مختلف عواصم العالم. مبادرة بإنشاء شبكة من هذا النوع في حاجة ان تستكمل وان تتواصل مع مختلف الحركات المتابعة لهذه المواضيع لبلورة العمل وتنسيق كل الجهود.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire