رفع الضريبه عن البنزين مطلب حق يراد به باطل
مقابلة مع د. سليم الصايغ
ل"العمل" (-01-05-2009)
تتعالى الاصوات.. وينخفض التطبيق. هذة هي ابسط الشعارات التي تحكم المرحلة
الانتخابية ليس في لبنان فقط، انما في اغلب البلدان الديمقراطية وغير الديمقراطية.
خصوصاً اذا كانت الانتخابات مصيرية وتتحدد على ثوابت وطنية قد تختلف في عناوينها
العريضة مثلما تختلف على ابسط تفاصيلها. ولعلى موضوع زيادة الرسوم والضرائب على
البنزين يدخل ضمن سياق معركة الاصوات والنبرات المرتفعة ويندرج في خانة المصالح
الضيقة التي لا تتعدى حدود التهويل والتهديد، بعيداً عن المنطق الذي يحكم الواقعية
السياسية والاقتصادية التي تعمل على اساسها الدول.
نائب رئيس حزب الكتائب الدكتور سليم الصايغ يرى "ان القضية الاساسية
لا تنحصر في زيادة الرسوم الضريبية على المشتقات النفطية بل تتعداها الى ما هو
اعمق واخطر اذا ان كل العناوين ترجع بنا الى موضوع الدولة، بما تمثل من حاضنة
اجتماعية واقتصادية لكل فئات المجتمع. لكن مع الاسف فان الدولة بما تثمل من هيبة،
وفرض سلطة تحتاج، قبل اي شئ الى الاستقرار الذي بدونه لا نستطيع الكلام عن
الازدهار ولا عن البحبوحة ولا نستطيع وضع خطط للمستقبل. وبالتالي ينحصر فن العيش
بخطط المدى القصير، في ظل غياب اي رؤية واضحة لمستقبل بناء الوطن". يضيف
الصايغ: "ان المطلوب هو التقاء اللبنانيين على قواسم مشتركه لفتح مجال
للاختلاف السياسي المرتكز على القوائم المشتركة بين بعضهم البعض. مع الاتفاق التام
على دور الدولة الرعائي وحماية البيئة وضرورة حماية العمال والمحافظة على الجامعة
اللبنانية". ويقول الصايغ: "انه يحب الا ننس ان اللبناني يتحمل اعلى
ضريبة في العالم وهي ضريبه بقائه في لبنان. ورغم انها تختلف عن بقية الانواع من
الضرائب اذ ان اللبناني يدفعها بكل سعادة وفرح ويقدم امامها النفيس والغالي، فانه
على القوى السياسية في لبنان قبل الدولة ان تنظر الى هذة التضحيات الجسام وتسعف
المواطن بالمشاريع والخطط الاقتصادية، ليس فقط في مرحلة الانتخابات انما في
السنوات التي تليها. وبالتالي يجب استبدال الاختلاف السياسي الذي بدأ يزعج المواطن
اللبناني، ويدفعة الى التهجر من بلده بالمشاريع والخطط الاقتصادية الواضحة".
ويضيف الصايغ "ان الامور واضحة تماماً بالنسبة الى الرأي العام، فلا احد في
لبنان يملك برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً حديثاً وعصرياً يحاكي تتطلعات المواطن
اللبناني. ولا الدولة في المقابل تؤمن رؤية بديلة عن حجم الدين الذي يفوق ال30 الف
دولار دين على كل مولود حديث وتقوم بتحديد الاطار الزمني للخروج من المجنة
الاقتصادية والمعيشية".
الضرائب غير المباشرة التي يدخل من ضمنها الضريبة على البنزين قضية قديمة
جديدة. تعود الى ضعف لبنان، كما سائر دول العالم الثالث من استفاء الضرائب
المباشرة وتأمين الموارد المالية الضرورية لبناء الدولة بسبب ضعف الهيئات الرقابية
وانعدام الشفافية في تطبيق القوانين وزيادة الرشاوى والتفنن في التهرب من الضرائب،
والاتجار وممارسة الاعمال غير المشروعة. الامر الذي يدفع بالدولة الى فرض الضرائب
غير المباشرة التي عادة ما تكون غير عادلة اجتماعياً حيث يتحملها الغتي كما الفقير
وذلك لسهولة جبايتها وتأمينها موارد مالية مهمة للدولة.
وتقوم الدولة اللبنانية بفرض ضريبة ثابتة على البنزين تبلغ تقريباً 9500
ليرة على كل صفيحة مع تحديد سقف ادنى لسعر مبيع البنزين بحيث لا تنخفض صفيحة ال95
اوكتان عن 22800 وصفيحة ال98 عن 23500 وذلك من دون وضع سقف اعلى بحيث ترتفع
اسبوعياً صفيحة البنزين او تنخفض بهوامش محدةة حسب تغير اسعار النفط عالمياً
.
ويقول الصايغ: "ان جميع دول العالم تفرض ضريبة مرتفعة على المشتقات
النفطية بشكل عام وعلى البنزين بشكل خاص، اذ ان الدول تعتبر نفسها تملك نوعاًَ من
الحصرية على استيراد او انتاج وبيع المشتقات النفطية. الامر الذي يشكل موارد مالية
كبيرة جداً للدولة. وان لبنان يمشي في السياق عينه وهو يفتقر الى المداخيل
والموارد الطبيعية. والدولة اللبنانية غير قادرة على بناء الاقتصاد على قاعدة
واضحة المعالم. من هنا كان من الضرورة استغلال القطاعات التي تدر عائدات مهمة مثل
البنزين وقطاع الاتصالات، ومع الاسف -الكهرباء التي هي في حالة عجز دائم- لبناء
الخزينة وتأمين ابسط متطلبات الدولة من الرواتب والتجهيزات اللوجستية وفرض الامن
والامان والقيام ايضاً بالمشاريع الانمائية والتنموية". ويضيف الصايغ
"ان فترة الانتخابات عادة ما تكون فترة الوعود والانقلاب على المفاهيم
الاقتصادية والاجتماعية للدولة ومعارضة الحكومة. وتتمحور الخطابات الانتخابية في
اقناع المواطنين ببدائل من الخطط الاقتصادية التي ترتكز على البحبوحة وازالة
الضرائب وتأمين العيش الرغيد وتنفيذ الاعمال والمشاريع التنموية. واقناع المواطنين
بالاستفادة بشكل مباشر من التخفيضات الضريبية، وغيرها الكثير من الخطب الرنانة كيف
ان الدولة لا تقدم شئ مقابل الضرائب المرتفعة. وبالتالي فان السير على هذا المصار
والاقتناع بهذة الرؤية الانية يؤدي في النهاية الى تجريد الدولة من كل الموارد
المالية. وهذا المشروع مع الاسف هو مشروع افلاسي للدولة". ويتابع الصايغ "ان
التصحيح يجب ان يترافق مع تأمين بدائل عن هذة الضرائب، فلا يجوز المعارضة لمجرد
المعارضة فان فن الحكم اليوم هو فن التحكيم".
ويرى العديد من السياسيين في موضوع المطالبة بازالة الرسوم الضريبية
وضريبة القيمة المضافة عن البنزين مادة دسمة للمزايدات السياسية، حيث يتحول هذا
الامر الى مطلب حق يراد به باطل. فبالرغم
من احقية المطالبة بتخفيض اسعار البنزين بما يشكل من ضغط اضافي على المواطنين
الرازحين تحت مختلف اشكال الفقر والحرمان، يشكل مادة انتخابية بامتياز. فانحصار
المطالبة بقوى الثامن من اذار وبعض النقابات التابعة، يقصد منه حشر نواب الاكثرية
امام الرأي العام، وتقديم انفسهم على انهم شبكة الخلاص من مشاريع النهب المنظم على
حد تسميتهم وذلك من دون تقديم اي بديل لايرادات الخزينة او حتى من دون اي مناقشة
عملية منطقية وواضحة. ويعطي الرسم على البنزين الدولة ايرادات سنوية بما يوازي الف
مليار ليرة او 650 مليون دولار حيث يبلغ الاستهاك اليومي من هذة المادة حوالي 200
الف صفيحة يومياً. وبالتالي فان اي مطالبه بالغاء الرسوم على البنزين يجب ان تقدم
بالمقابل اقتراحات او افكار او رؤاً واضحة عن البديل. ويندرج بهذا السياق اتهام
قوى الثامن من اذار قوى الاكثرية النيابية بتهريب النصاب لكي لا تصوت او تناقش
مشاريع ترتبط بهموم ومعاناة المواطنين اليومية. بالتفاف واضح يقصد منه النيل من
مواقف الاكثرية خلال السنوات الماضية، وجبرها بشكل غير مباشر على الاعتراف بعدم
شرعية الحكومة الماضية اذ يوجد حوالي 74 مشروع قانون احالتهم الحكومة الماضية الى
المجلس النيابي ولم يستقبلوا لاصرار رئيس المجلس على عدم شرعية الحكومة. وبالتالي
جرى تحويلهم الى اقتراحات قوانين يعمل على مناقشتها في المجلس، الامر الذي يعني
سحب اعتراف غير مباشر بعدم شرعية الحكومة الماضية المدعومة من قوى الرابع عشر من
اذار. وتبرز المشاريع الاقتصادية كحصان طروادة تختبئ في داخله الاحقاد والنكايات
السياسية لتخرج في الوقت الملائم، وقت التحضير للانتخابات النيابية لممارسة
التضليل الانتخابي على انفسهم وعلى الجماهير.
ويرى الصايغ، "ان نواب الاقلية لم يكونوا موجودين للتصويت على
المشاريع في المجلس النيابي. وبالتالي فان كل القرارات التي اتخذت قبل انسحاب
وزراء الطائفة الشيعية الكريمه كانت توافقيه من قبل الحكومة. وبالنتيجة يجب الا
نصغر كل عملية اداء الحكومة كانها اتخذت قرارات غير شرعية وبالتالي هي غير مقبولة
ويجب اعادتها اليوم. حيث اتخذت العديد من القرارات المهمة والمصيرية ومنها قرار
المحكمة الدولة وغيرها الكثير من المقررات". ويضيف الصايغ، "ان المشكلة
اليوم هي ان لبنان لا يحتمل مناقشات عامة تطرح بخلفية سياسية".
واذا كان من المسلم به ان هذا الرسم، كغيره من الضرائب غير المباشرة، يتسم
بعدم العدالة الاجتماعية، إذ إنه يساوي بين الفقير والثري ويشكل استمرار العمل به
محاولة للترقيع الاقتصادي وهو بالطبع لا يأتي ضمن السياسات الضريبية الحكيمة، بل
إنه يحد من القدرة الشرائية للمواطن. فان ما يختلف عليه لا ينحصر في تأمين الموارد
المالية للدولة بل يتعداه الى الاتفاق على دور الدولة ومن هي هذة الدولة. فاذا كان
الشعار الذي رفعه الرئيس امين الجميل عام 1982 "اعطونا الاستقرار وخذوا ما
يدهش العالم" لم يعمل به. فانه قد ان الاوان لاخذ موضوع الاستقرار بجديه
اكبار حفاظاً على ما بقي في هذا البلاد من موارد ليس اقلها اهمية الموارد البشرية
التي ضاقت ذرعاً بسياسات الامر الواقع.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire