dimanche 23 mars 2014

Centre Issam Fares - Octobre 2008

كلمة د. سليم الصايغ -  نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية     مؤتمر مركز عصام فارس تشرين الأول 2008)

إن الديمقراطية بالأساس هي مشروع تمكين الفرد من تحقيق ذاته ومصلحته بكل الطرق المتعاقد عليها اجتماعيا. فالانسان هو أساس الديمقراطية وحريته هي شرطها المطلق. فالديمقراطية تؤسس لبناء الدولة حسب ديناميكية اجتماعية متحركة، فلا جمود ولا تقوقع ولا حتمية تاريخية أو جينية أو أمنية أو عرقية. ان الحتمية الوحيدة هي التي تؤكد مشروع تحرر الانسان الدائم.
فالديمقراطية اذا هي تطوير مهم للنظام الذي يؤمَن حرية الانسان الذي يدرك، من خلال وعيه الاجتماعي والسياسي وبالتالي يؤمَن كيفية تطبيق هذه الحرية والتعامل على أساسها. كل ذلك بهدف بلوغ أقصى درجات البحبوحة والسعادة عبر تحقيق الذات الفردية والجماعية.انطلاقا من هذه المسلمات سنسعى الى طرح (1) اشكالية التوافق من خلال العلمانية والميثاق والتعطيل، للولوج الى (2) اقتراح مقاربة مختلفة بهدف تطوير النظام.

1 : إشكالية التوافق
 ا- العلمانية: طرحت الكتائب اللبنانية هذه القضية كإحدى ركائز الوحدة الوطنية.
 فالمؤتمر الأول في أيلول 1956   طالب ب"المحافظة على علمانية الدولة اللبنانية التي يتميز بها لبنان في هذا الشرق والتي تؤمن بحرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية واحترامها".  وذهبت أبعد من ذلك في المؤتمر الثاني في تشرين الأول 1959، فجاء "اعتبار مستقبل لبنان مرهونا بوحدة بنيه والسعي لتوطيد هذه الوحدة: بإزالة ما يعيق تتميم علمنة الدولة، بتحقيق العدالة الاجتماعية وبمضاعفة الاهتمام بالمناطق المحرومة للقضاء على التفاوت في مستوى المعيشة وفي حسن التمرس بالحريات الديمقراطية". وجاء في المؤتمر الثالث عشر في أيلول 1970: "...وضع برنامج عملي لعلمنة الدولة يبدأ على الفور بإلغاء الطائفية واعتماد الكفاءة" في التعيينات و"الاقلاع عن بدعة الخلافة الطائفية" ..."تمهيدا لإلغاء الطائفية الوظيفية كليا" وأخيرا "إقرار مشروع قانون للزواج المدني الاختياري".
إن ربط مسألة الوحدة الوطنية بالعدالة الاجتماعية والعلمانية هو ربط متطور للغاية،
لتحقيق الحرية بالمفهوم الحديث. فكانت المطالبة "بمضاعفة الاهتمام بالمناطق المحرومة للقضاء على التفاوت في مستوى المعيشة وفي حسن التمرس بالحريات الديمقراطية" (مقررات مؤتمر الكتائب 1959).
إن تنامي الحالة الطائفية رسخ الدولة الطوائفية على حساب مشروع الدولة الحديثة وضرورة تمكين الذات الفردية. فأدى ذلك الى تراجع الضمانات التي توفرها الدولة القادرة وشبكة الأمان التي تثبتها ثقافة العلمانية، والسلم والاستقرار الاجتماعي الذي تؤمَنه روح العدالة، والمشاركة الحقيقية التي يفرزها النظام. اذا إن إلغاء الطائفية السياسية في الدستور قد أجج الطائفية لأنه لم يتواكب مع حالة تعزيز الثقة المتبادلة بين الطوائف. إن "تصحير" الساحة السياسية من أهم فعالياتها السياسية بعد اتفاق الطائف كان العائق الأهم أمام إلغاء الطائفية السياسية بالكامللأنها كانت تُعتَبَر أنها الضامن الوحيد أمام الهجمة على موقع المسيحيين في المعادلة السياسية اللبنانية. أما اليوم وقد انحسرت التدخلات واستعاد المسيحيون دورهم كاملا فلا مبرر لعقدة الاضطهاد أو التهميش وبالتالي أصبح من المفيد إعادة طرح قضية العلمانية في لبنان كمسألة إيجابية تؤسس لبناء صرح وطني جامع، بدل التركيز على النظرة السلبية المواكبة لكلمة "إلغاء الطائفية السياسية" وكأنها مرادف لإلغاء حقوق الطوائف الأقل عددا أو الأكثر ضعفا وبالتأكيد الأمثر استهدافا.


ب) الميثاق:
ان فلسفة النظام في لبنان ترتكز على الميثاق الدائم بين أبناء الوطن الواحد. فالميثاق التأسيسي يهدف الى تأكيد إرادة العيش المشترك. وهذا أقل الايمان في عملية بناء الأوطان. وميثاق 1943 أكد حياد لبنان في الصراعات الاقليمية والدولية والتزامه القضايا العربية المصيرية. وهو أعطى كذلك حق النقض لكل مجموعة مكونة للوطن. وهو بذلك طمأن الجميع من الخوف المتعدد المصادر، من الكثرة، التنوع والنمو غير المتوازن وغيره. فإذا بالنظام اللبناني، في صيغه كافة، 1943 أو الطائف، في حسن وسوء تطبيقها، يكرس فدرالية الطوائف الى جانب الفدرالية الشخصية. وهكذا تصبح الجماعة هي المعبر الأساسي عن رأي وخيار الفرد. فالتوافق يكون عبر الجماعة أو لا يكون، ومن هنا يطرح السؤال التالي: "كيف يستطيع الفرد أن يحصل على كافة شروط الرخاء والسعادة وتحقيق الذات عندما يكون هكذا قراره محكوما بالجماعة؟"
أفما تصبح هنا الديمقراطية اللبنانية أداة كبت للأفراد من قبل الجماعة، أي الطائفة؟.
في الدين، تكون الطائفة أداة تحرير للانسان وارتفاعه وارتقائه. أما في السياسة، فالطائفة قد تتحول الى حزب ذو نظرة عقائدية لها بالطبع وحتما مفهوم شمولي يفسر كل شيء ويحكم كل شيء وينظم كل شيء بحسب المبدأ الديني. فيكون ما لله لله، وما لقيصر كذلك لله.
ان التوافق الطوائفي، وتمذهب الأحزاب في لبنان، يولد إزدواجية في السيادة، بين سيادة الدولة المدنية غير المكتملة وسيادة الطوائف المحصنة اجتماعيا وقانونيا وتاريخيا وسياسيا وفي إحدى الحالات عسكريا.
ج) التعطيل:
ان الطائفة، وهي التي أسست لبنان باسم الحريات الدينية والقضائية، تصبح ضابطا للحرية الفردية من حيث أنها ولأسباب موضوعية لها مبرراتها، تفضل دائما حق الجماعة على حق الفرد من دون أن تفضل دائما حق الدولة على حق الجماعة. وبالتالي تصبح الأزمة السياسية، مهما كانت أبعادها ومسبباتها الاقتصادية والسلطوية والاجتماعية، أزمة نظام، فتتعطل اللعبة الديمقراطية الدستورية المبنية على التوافق في الأمور المصيرية والأكثرية في الأمور العادية. ان تمدد مساحة الأمور المصيرية بشكل أحادي (غير توافقي) هو تجاوز لحدّ الميثاق ولكنه في الوقت نفسه يظهر فقدان الضوابط اللازمة دستوريا، مع أنه قد يعبر عن قلق وخوف متنامي من الآخر بغض النظر عن حقيقة مصدر القلق والخوف.
ان هذا التمدد الشمولي لمفهوم "الأمور المصيرية يستحضر بشكل طبيعي ومتكرر القيمة المطلقة لمبدأ التوافق".
وبالتالي أصبح التوافق الالزامي في كل اللأمور مصدرا "دائما" للتعطيل بدل أن يكون أداة لدفع عملية الاندماج الوطني مع طمأنة كافة المجموعات. فالعملية الديمقراطية في لبنان رزحت تحت تأثير هذين الخطين المتنافرين والمتضاربين: الدفع من جهة نحو الاندماج الوطني فالانصهار العام ومن جهة أخرى الشد نحو ذاتية الجماعة أي الطائفة وخصوصيتها.
  وهذا الصراع  وضع  لبنان  في قلب الأزمة وهو بذلك دخل حالة ما بعد الحداثة السياسية  (post modern) 
ولكن من دون أن يثبت على مسار الاستقرار.
2- نحو تطوير النظام:
ان إشكالية التوافق تنتج أسباب اختلال صيغة النظام اللبناني (أ) مما يحتم استنباط مقاربة مختلفة للديمقراطية في لبنان (ب).


أ- لمحة سريعة عن أسباب الاختلال:
لقد فشل النظام بوضع آليات واضحة للانتقال من الفدرالية الشخصية الى الدولة المدنية الكاملة المواصفات، وتزامن هذا الفشل مع تكريس انحراف فدرالي آخر وهو تكريس استقلالية الطوائف الاسلامية في اطار نظام الطوائف الدينية (دستور، 9، 10) . وأصبح طرح العلمانية مرادفا "للاتحاد" أو كمبدأ مضاد للدين وكأن التطور التاريخي للعلمانية في فرنسا هو الاطار الوحيد للتغيير في وقت ان هذا المفهوم يتطور حسب المجتمعات المنبثق عنها والواقع الخاص في كل بلد، غربيا كان أم لا. فغدا النظام في حالة تخبط دائمة: فلا هو قادر على تمكين الفرد اجتماعيا وسياسيا ولا هو قادر على بناء دولة مركزية قوية.
فالحكومات المتعاقبة قد قبلت بصيغة لبنان التعددية ثقافيا وسياسيا ولكنها عمدت الى حصر السلطات وتوزيعها في دولة ارادتها مركزية قوية، فانتهت مفككة غير قادرة على إنتاج نفسها والى تفويض بعض سلطاتها كما نص عليه الدستور الى المناطق في لا مركزية ما.
ان ضعف الدولة بسبب ضعف النظام وبسبب الهجمة على لبنان الكيان شرع أبواب التهديد على الطوائف وبدل اللجوء الى تحسين وتحصين الدولة عمدت الطوائف الى السؤال عن أية دولة نريد لحماية الطوائف. وهذا السؤال نفسه الذي طرحه مؤسس الكتائب الشيخ بيار الجميل منذ الستينات: أي لبنان نريد؟
ان الحرب على الدولة اللبنانية والكيان اللبناني دفع كافة المجموعات المكونة للبنان الى التفتيش عن بدائل عن النظام. فلم يجرؤ أحد أن يقول أن النظام قد سقط في التعطيل الدائم له، والدولة سقطت بسبب سقوط الوحدة الايجابية (بخلاف الوحدة السلبية أي رفض الاحتلال: اسرائيليا كان أم سوريا) مع فرز طائفي ومذهبي ومعنوي وثقافي ومؤسساتي. فغدت الدولة مسرحا لتقوية نفوذ النافذين في وهذا يذكر subsidiarity الطائفة وزيادة ما ينقصهم (أي ما ينقصها!). وهذا تطور فريد لمبدأ ال بالفدرالية، التي تحكم مركزيا ما تستطيع وتترك للسلطة المركزية ما لا تستطيع، في وقت أن الأنظمة الوحدوية هي تحكم مركزيا كل ما تستطيع وتترك مناطقيا ما لا تستطيع.

ب-  نحو مقاربة مختلفة للنظام:
وذلك عبر الانطلاق من المسلمات الثابتة والواقع الحالي للوصول الى قراءة جديدة للنظام.
1- الانطلاق من المسلمات الثابتة:
* لبنان الكيان- القيمة بحد ذاته الى لبنان الدور- الرسالة الحضارية بين الشرق والغرب، بين الأديان.
* لبنان وطن الحريات وهو وطن الانسان المتحرر.
* لبنان وطن الطوائف ذات الواقع السياسي المذهبي.
* لبنان ميزان القوى بين المحاور التي تخترقه وبين طوائفه ومذاهبه.
وبالتالي ضرورة تغيير المقاربة، لكي يتم البناء على الصلب المتين والسهل الممتنع، والحد الملتزم.
2- لقراءة جديدة للنظام:
فبدلا من التأسيس على حلم الوحدة من أجل السيطرة، ينبغي التأسيس على واقع الشرذمة من أجل الوحدة.
*الاعتراف بالدور المركزي للأحزاب الممثلة لطوائف أو مذاهب وبذك يتم باعتماد تطوير الديمقراطية عبر الجماعة الى ديمقراطية ضمن الجماعة.
تكون الديمقراطية توافقية مركزيا، وأكثرية مع نسبية لا مركزيا.
وهذا يؤمن التنوع ضمن المجموعة الواحدة ويؤسس لديناميكية اندماج وطني لاحقا باعتماد مبدأ الوحدات الاقليمية.
* اطلاق عملية بناء اللامركزية الادارية على أساس الوحدات الاقليمية: تكون الوحدة اذا ذات دور اداري ودور تنموي وتتميز بالادارة الذاتية من مجلس منتخب على أساس النظام النسبي، ولهذه الوحدة دور أساسي في ضبط الأمن الداخلي في القطاع الجغرافي المناط بها (أمين الجميل "لبنان: بناء المستقبل، 1992).
* تعزيز السلطة المركزية بحيث تكون الضامن للتوازن العام، والتوازن الخاص داخل الوحدة الاقليمية، وذلك بتقوية الجيش المركزي، وتدعيم مبدأ فصل السلطات وفرض اعادة المهجرين الى قراهم بالكامل.
* اعتماد مبدأ الدولة المدنية بالكامل بحيث تترك للفرد الحرية لاختيار طائفة جديدة هي طائفة الحق العام.
* اعلان لبنان مساحة حوار (محاضرة أمين الجميل في الكسليك 2006) بحيث يشكل الوطن نموذج متجدد للحكم الصالح عبر التشاور المستمر بين كل وحداته، فينتج تجربة ديمقراطية فذة.

* اعلان لبنان نموذج لحقوق الانسان لمحاربة التعصب والتطرف الديني وتفعيل التضامن والأخوة والكرامة والحرية والمساواة ليس فقط كمبادئ مشروعة ولكن كذلك بحكم كونها منابع روحية مستمدة من الديانات السماوية.
وهذا ما يعطي الميزة للنظام اللبناني الذي يرتكز في بعده القانوني على المبادئ الحديثة في فصل السلطات والمشاركة والحكم الصالح ودولة القانون وفي بعده الانساني على تراثه الروحي الفريد المُغني للحضارة المتجددة.   

______________

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire