dimanche 23 mars 2014

Colloque Msarra 2009 الميثاق عقد تأسيسي لكيان لبنان

الميثاق عقد تأسيسي لكيان لبنان
الدكتور سليم صايغ*

        اتفاق الدوحة واتفاق الطائف، كما مجمل الاتفاقات في لبنان، هما منتجان لما أسميناه عام 1943 الميثاق الوطني. وهو العقد التأسيسي للبنان وليس مجرد عقد الدستوري، بل عقد كياني ربط الشعب اللبناني بالارض وكان من مقومات الدولة اللبنانية.
        هذا الميثاق هو في الاساس روح، علينا البحث عنه في النصوص لجمعه. قبل عام1943 لم يكن هناك اعتراف بلبنان وطنًا نهائيًا، بل كان بالنسبة لكثيرين وطنًا مرحليًا او جزءًا من تركيبة اشمل. اسس الميثاق للبنان الوطن واعطاه مقومات وهي ان يكون في حالة حياد داخلي وخارجي عن الصراعات.
كان مبدأ الحياد مضمونًا في الميثاق وذلك قبل قيام دولة اسرائيل، ولكنه أصبح أكثر صعوبة بعد ولادتها. إلا ان لبنان لم يدخل في معادلة المحاور إلا لاحقًا. ونلاحظ أنه في كل مرة يخرج لبنان عن المعادلة الميثاقية التي اسست للتوافق في هذا الوطن يتعرض الكيان للاهتزاز، وهذا ما حصل خاصة عام 1958.
        وكلما كان يدخل لبنان في محاور ايًا كان نوعها: ممانعة، صمود، تصدي، قومية، مقاومة الاستعمار، حلف اميركي، حلف بغداد... يتعرض الكيان اللبناني للاهتزاز وبالتالي يتعطل النظام.

  • د. سليم الصايغ : مدير مركز "دراسة النزاعات وسبل حلها"، أستاذ في جامعات عديدة في أوروبا ولبنان، نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية.

1
التمييز بين الميثاق والدستور

        من المفضل الفصل في المقاربة بين الميثاق كعقد تأسيسي اساسي لكيان لبنان الوطن، وبين الصيغة او النظام او الدستور الذي قد يكون ويجب ان يكون متحرك ومتغير في سبيل مواكبة تطلعات وآمال اللبنانيين.
        ليس تأسيس الوطن مجرد عملية فلسفية او فكرية، بل يبنى على واقع وعلى ميزان قوى. وقد أتى الميثاق نتيجة ميزان وتوازن قوى.
        لقد نصت المادة 95 من الدستور على إلغاء الطائفية السياسية. في حين كام يُفترَض ان تتم معالجة الطائفية بطريقة مرحلية متحركة وان تخلق ديناميكية تفاعل بين الطوائف اللبنانية بما يؤسس مستقبليًا لمواطنية اكثر فاعلية.
        عمليا، أسسنا وطنًا على ورق ولم نتمكن من خلق مواطنية صحيحة بسبب الزبائنية ضمن الطوائف وعبرها، التي عطلت النظام. كان يجدر بنا تخطي ميزان القوى عبر ديناميكية تفاعل بين الطوائف، الأمر الذي لم يحصل. لقد استمرينا في مقاربة المنظومة السياسية بطريقة حسابية، أي ما يمكن ان يجنيه المسيحي وما يمكن ان يجنيه المسلم والمذاهب، ما سمي بالمحاصصة واقتسام قالب الحلوى، ولم نفكر بتكبير هذا القالب وفق علم التسوية والنزاعات الذي يقضي بدراسة كيفية خلق القيمة، قبل التفكير بكيفية تقاسمها:. Création de la valeur avant la division de la valeur
        لم يتمكن الدستور اللبناني من ان يخلق قيمة ذاتية للوطن اللبناني. واستمرت الطوائف اكبر من الدولة بمرجعياتها الخارجية واهمها القانونية والروحية او بمشاريعها.
        يعيش لبنان اليوم من ازمة: اتفاق الطائف لم يطبق بكامله وقد انتقده البعض، منهم جورج سعاده والبير منصور منذ خمسة عشر سنة. تكلم الرؤساء المتعاقبون جميعهم وبخاصة الرئيس ميشال سليمان حول ضرورة متابعة تطبيق الطائف. وفي الواقع، لا بدً من تفعيل الطائف وتصحيح المسار. لقد حالت الوصاية دون تقديم اللبنانيين حلاً لنزاعاتهم بأنفسهم، حتى اننا بتنا نجهل كيفية حل مشاكلنا بعد ان اعتدنا اللجوء الى الشام لحل ازماتنا. بعد انسحاب الجيش السوري حصل استهداف منهجي للحكومة ادى الى تعطيل النظام.
        امامنا اليوم فرصة تاريخية. ما زال الطائف والنظام طوائفي الذي كرس فدرالية الطوائف وفدرالية امنية بحيث يتقاسم الجيش الامن مع غيره. هذا امر لم يحدث في  التاريخ ولا في أي علم من العلوم الاجتماعية او السياسية، حتى انه كرس فدرالية شبه جغرافية عبر قانون انتخابات 1960. انتزع قانون القضاء على اساس تعزيز الطوائف وباسم الطوائف. نحن في واقع شرذمة.
        ما يهمنا هو الكيان اكثر من الصيغة والنظام. ونرى أن الكيان والميثاق هما في خطر، وأن علينا العودة سريعًا الى روح الميثاق لتخطي هذه الشرذمة، وبناء ثقافة حوارية بين الطوائف اللبنانية وتأسيس العمل الديمقراطي. في هذا المجال أُخالف بعض المقاربات النظرية التي تدعو الى تحقيق العلمانية، هناك من يرفضها. وقد دعا رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل في الخمسينات وامام المطالبة بالدفاع عن المسيحيين، دعا الى الكلام عن الحريات في لبنان، لان في ذلك دفاع عن المسيحيين وعن كل الطوائف.
علينا تحرير الانسان في لبنان وليس الطائفة فقط. متى سعت الطائفة لقمع الانسان تصبح مجموعة توتاليتارية مخالفة لمبدأ الدين. في حين ينبغي ان تكون الطائفة وسيلة لتحرير الانسان. اليوم، تطالب الطائفة بضمانات وهي المعبر الوحيد عن تطلعات وآمال اللبنانيين. علينا التفكير بكيفية حمايتها وكيفية طمأنة المجموعات وكل واحدة منها تسعى للمحافظة على خصوصيتها، وتشعر بأنها اقلية وتخشى من الثقافة الهاجمة او التي تتأثر بالعدد او بقوى عظمى او بقوى اقليمية.
        هويتنا في لبنان مركبة وليست احادية من إتنية واحدة او من طائفة واحدة. نحن عرب ولبنانيون ومسيحيون وفينيقيون... في آن. نفخر بهذه الهوية التي هي قوة لبنان وتعكس التنوع فيه. هناك العديد من الاجتهادات الدستورية في العالم، علينا التعلم منها.
        نحن نؤيد ضمانة الحرية الفردية ايًا كان النظام السائد في لبنان، وعدم الاعتراف فقط بحريات جماعية تعبر عنها الطوائف. لا يمكن القبول بمبدأ فدرالية الطوائف كما هو اليوم، وليس هذا ما اراده الطائف، بل اراد توسيع مساحة المصلحة المشتركة في لبنان والوعي المواطني، ولكنه تقوقع في الطائفية لانها تخدم مصالح الزبائنية ومصالح الوصاية على لبنان. مشروعنا ديمقراطي. لا يمكن للبنان ان يكون غير ديمقراطي، فالديمقراطية هي تربية على المواطنية.



2
تحديد المفاهيم ولبنان الانفتاح

        قبل التربية على الديمقراطية علينا تحديد المفاهيم، وذلك بغية توسيع اطار الشأن العام او المصلحة المشتركة في لبنان. ليست القضية مسألة ديمقراطية اكثرية او اقلية او توافقية... هذا يدخل في آلية اتخاذ القرار. من يطالب بالديمقراطية التوافقية مركزيًا يرفضها في الجامعات وفي البلديات...
        كلنا نريد دولة مدنية. تحدث احد المشاركين عن طائفة الحق العام بحيث يحق للمواطن عدم ذكر طائفته على الهوية. صُوِرَ الطائف وكأنه مبني على ميزان قوى حيث خسر المسيحي الحرب فمُنِعَ من تشكيل الاحزاب ومن ابداء رأي قوي في المعادلة السياسية، وبقي مهجرًا وزج في السجن وغابت احزابه الكبرى. حيال ذلك قامت قيامة جميع الطوائف ورفضت إلغاء الطائفية السياسية على اعتبار انها الضامنة للجماعات.
من الضروري ان نصل الى الدولة المدنية. وهو تحد يواجه الدستوريين، الا انه لا يمكن إلغاء الطائفية السياسية ما لم تتوفر قناعات مشتركة وثقافة ديمقراطية، وما لم نقلع عن اعتبار الآخر خطرًا علينا.
لم يبنِ الاعتصام في وسط بيروت ثقافة مشتركة بين الشيعة والمسيحيين. كانت كل مجموعة رابضة في مخيم مستقل عن الآخر. كان هناك المخيم الاصفر والمخيم البرتقال... لم تدخل التعبئة في القناعات الاجتماعية، أي انها لم تترجم اجتماعيًا بل بقيت فوقية ومرتبطة بالمصلحة السياسية الآنية.
        علينا طمأنة المجموعات. وذلك يكون من خلال اقناعهم بأنهم قادرون على ادارة شؤونهم بأنفسهم ودون شرذمة الدولة. لا بد من الانتقال الى مشروع الدولة اللبنانية الاندماجية Etat d’intégration عبر اعطاء الناس امكانية ادارة ذاتية. علينا اعطاء اللامركزية كل ابعادها الممكنة. لا يعني ذلك فدرالية سياسية. لا نعني باللامركزية اللامركزية الجغرافية وان كانت لها ابعاد جغرافية. لا يجدر بنا هنا الحديث عن اقليات،إنما نتكلم في الاساس عن حرية الفرد.
 لقد طلب رئيس الجمهورية من وزير الداخلية المباشرة بوضع مشروع خاص باللامركزية المدنية، وهي لا تقتصر على نقل الادارات الرسمية الى المناطق. هذا لا يكفي لطمأنة الجماعات اللبنانية بأنها قادرة على المحافظة على هويتها وثقافتها ونمط تفكيرها.
يكون الحوار الوطني الحقيقي من خلال التفكير في كيفية المحافظة على مشروع لبنان الاندماجي كما كان عليه قبل الحرب، لبنان الانفتاح. الواقع اليوم كونفدرالي تقسيمي! في طرح اللامركزية الادارية لا بد من توفير امكانية وجود مجالس منتخبة ذات سلطات تشريعية محدودة على ان تكون مبنية على اساس النسبية.
***
        لا يقوم لبنان الا بثقافة الحوار. اتمنى ان يكون المجتمع المدني فاعلاً في السياسة وليس ضدها وضد النخبة. من المفرح ان نرى بعض رموز المجتمع المدني في السلطة كالوزراء ابراهيم شمس الدين، زياد بارود، طارق متري... فهذه النخب تسمح في ما لو وصلت الى السلطة بتفعيل الحوار والتأسيس لمشروع تغييري في لبنان يتخطى الاطر الدستورية الجامدة التي تخدم مصالح من يتكلم باسم الطوائف وهم ابعد ما يكون عن الدين.

_______________________

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire