dimanche 23 mars 2014

Massira (05-07-2007)

د. الصايغ: حوار باريس إطار
لتحرير الأطراف من الخارج

الكاتب باريس ـ سهام رزق الـله   

من قلب الحدث في باريس تواكب "المسيرة" مسار الحوار اللبناني مع البروفيسور في القانون والمفاوضات الدولية ومدير "مركز دراسة النزاعات وسبل حلّها" والمشارك في الحوار بصفته مستشار الرئيس امين الجميل الدكتور سليم الصايغ. أي مقاربة علمية ومفاوضية للحدث اللبناني – الباريسي من منطلق الخبرة والابحاث في الدبلوماسية والمفاوضات؟ كيف يمكن وضع هذا الحدث في اطار المفاوضات الدولية لحل ازمات البلدان؟ واي جديد يحمله "حوار باريس" نسبة الى حوارات بيروت السابقة؟
انطلاقا من خلفية علمية في مجال الدبلوماسية والمفاوضات الدولية ومع سلسلة من المؤتمرات التي نظمها ويتحضر لتنظيمها "مركز دراسة النزاعات وسبل حلّها" في العالم، وحمله اسم لبنان في اطار المفاوضات والاتفاقات واطلاق المؤتمر الدائم عن لبنان: "Séminaire permanent sur le Liban” كيف تقرأون مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في باريس في اطار المؤتمرات التي تعقد دوليا لحل الازمات، خصوصًا انكم تشاركون ايضا في طاولة الحوار بصفة مستشار للرئيس الجميل.

-صحيح، لقد حصلت مؤتمرات ولقاءات دولية عدة لحل الازمات الداخلية التي مرّت بها بلدان عدة، منها المفاوضات التي حسمت الحوار مع البوسنة والهرسك العام 1995 في "دايتون" في قاعدة عسكرية اميركية، وتم من خلالها وضع حل نهائي للحرب الاهلية اليوغوسلافية، وقد دامت 21 يوما. كذلك نذكر مؤتمر "مركوسي" الذي عُقد في فرنسا منذ سنوات لحل قضية شاطئ العاج التي تمثل مسألة داخلية، لكن المعالجة حصلت في حضور افريقي قوي، فضلا عن مؤتمرات دولية لانهاء حرب الهند الصينية وقضية فيتنام، ادت الى تقسيمها. وقد عُقد مؤتمر في جنيف لمعالجة الملف.

من هنا نستنتج ان مسألة دعوة اللبنانيين الى خارج لبنان لحل الازمات التي تشهدها البلاد، تندرج في اطار عُرف في العلاقات الدولية سبق اعتماده في تجارب لبلدان عدة على اختلاف نوع الازمات فيها.ولكن ينبغي الملاحظة ان ما يدعو إليه الفرنسيون اليوم هو اقل من مفاوضات واكثر من تشاور.

كيف يمكن التمييز العلمي بين هاتين الحالين؟

-يمكن القول ان المفاوضات تسعى الى الخروج عادة بنتيجة محددة، ويتم عبرها اجراء مقايضات وحصول تسويات، وتسعى الى حل مرحلي او نهائي لاي مشكلة. وبالطبع هدف "حوار باريس" ليس التفاوض ولا ايجاد الحلول. بينما التشاور هو تبادل للآراء بطريقة غير رسمية حيث يتم فهم مواقف الفريق الاخر. في "حوار باريس" الجميع يعرفون ما هي مصالح الآخر وهواجسه كما الرؤية الخاصة به لحلول الازمة.

في ضوء هذا التوضيح والتحديد، ماذا يكون الهدف الاعمق للحوار؟ وما الذي يميزه من حيث المنهجية لبلوغ الهدف المرجو منه؟

-لقاء باريس يهدف الى تخطي التشاور من اجل ايجاد القواسم المشتركة التي يمكن التأسيس والبناء عليها بين جميع الاطراف، ومن ثم وضع آلية مستقبلية تؤسس لمسار واضح المعالم، يعيد الى المؤسسات اللبنانية فعاليتها المرجوة، ويفسح المجال امام التحضير لمواجهة وتخطي الاستحقاقات الدستورية وحلها. كما ان مسار الحوار الباريسي يفرز آلية تفاوضية من شأنها ان تأتي بصيغة حل للازمة اللبنانية الراهنة في مداها البعيد، وعبر تفعيل اللعبة السياسية السليمة. وقد يأتي حل يتخطى الاستحقاقات ليعيد النظر في هيكلية الدولة ويجيب على السؤال: "أي لبنان يريد اللبنانيون؟".

هل يمكن ان يعتمد هذا الحوار أجندة محددة الاهداف، او ان يؤدي الى اعادة خلط الاوراق والملفات التي سبق وفتحت في حوارات بيروت؟

-ثمة عوامل عدة تساعد على الالتزام بمواضيع الحوار وسبل تطويره، منها التنظيم الذي جرى له والتحضيرات المواكبة ومعرفة الوزير الفرنسي برنار كوشنير بطبيعة لبنان والشرق الاوسط وقضاياه. كما ان الفرنسيين يفسحون المجال للاخذ والرد بين الاطراف. ان هيكلية هذه المفاوضات هي لحوار متعدد الاطراف يتخطى الثنائية التي تميز التواصل بينهم في لبنان. قلما نشهد تواصلاً بين الكتائب وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر مجتمعين، بين القوات والتيار الوطني او بينه وبين تيار المستقبل ربما يساعد على التواصل على رغم وجود ازمة سياسية، علما بأن خلال الحرب اللبنانية وفي عز ازمات الحرب وفتراتها الاصعب، كان هنالك تواصل بين اللبنانيين.

اليوم لا حرب في لبنان، انما قطيعة، في غياب ابرز المؤسسات، من المجلس النيابي الى رئاسة الجمهورية. ففي ايام الحرب اللبنانية كان السياسيون يعرفون بعضهم لانهم كانوا مخضرمين وابناء مدارس سياسية عريقة. كانوا يتواصلون بحكم المعرفة الشخصية في شكل يتخطى المؤسسات. والمطلوب من هذا الحوار في باريس ان يسمح بتخطي حد ادنى من التواصل بين الاطراف اللبنانيين، والمساعدة على بناء قواعد مبنية على الصدق والشفافية.

استنادا الى خبرتكم في تنظيم مؤتمرات واصدار اوراق عمل واطلاق مفاوضات وصياغة اتفاقات على مستوى دولي واورو – متوسطي وشرق اوسطي، وطبعا خبرتكم في ملفات الحوار المطروحة في لبنان، هل يمكن ان تحقق اجتماعات باريس ما لم تحققه جلسات الحوار والتشاور بين الاقطاب اللبنانيين في بيروت، وبالتالي ما هي ميزتها؟

-الجلسات الحوارية التي عقدت في بيروت لم تفسح المجال لبناء العلاقات الشخصية بين افرقاء العمل لدى الاقطاب، وهذه ضرورة لاعادة التواصل التي تحدثنا عنها بين الاطراف. هذه اساسية في المفاوضات والبحث في امكانات حل الازمات دوليا. اما في لبنان، فهذه ايضا حاجة ملحة في غياب دور مؤسسات الدولة. فالتعويض الاولي يمكن ان يبدأ بالتواصل بين الاطراف وفرق العمل الناشطة في الملفات المختلفة.

من المعروف في علم المفاوضات ان من الضروري تحديد مستوى الازمة وطبيعتها قبل البدء بوضع الاليات واطلاق المفاوضات لحلها. فأي تحديد لطبيعة الازمة ترونه الانسب للوضع في لبنان، والذي على اساسه تتم جلسات الحوار في باريس؟

-لقد جرى أخيرا تأجيج للصراع على محاور طائفية – ايديولوجية، بحيث اصبحت القضية لدى كل فريق وجودية. وفي كل النزاعات حيث تلعب الجماعات على وتر ما تعتبره مقدسا ووجوديا، يصبح هامش التعاطي
والتحرك والمساومة والتسوية ضيقا جدا، اذا لم نقل معدوما. من هنا ضرورة اعادة تأطير الحوار واعتماد مقاربة جديدة للمسائل المطروحة.

هل تلاحظون ان الاطار الدولي لحل الازمات يحرر الاطراف المحليين من وطأة تحالفاتهم الخارجية؟ وكيف ذلك في حوار باريس الخاص بلبنان؟

-في الواقع، من الطبيعي ان تساعد المؤتمرات الدولية بين اطراف لبنانيين على تحرير كل منهم من ضغوط التحالفات الخارجية. لكن السؤال المطروح هو ما مدى قدرة الافرقاء المتحاورين على الالتزام بالموقف، ومن ثم التنازل عن بعض الامور بسبب ارتباطاتهم الخارجية. لكن الانجاز يبقى في تأمين الاطار الدولي والتغطية الدولية والاقليمية من اجل توسيع هامش تحرك الأفرقاء اللبنانيين وتحريرهم باكبر مقدار ممكن من ارتباطاتهم الخارجية، لتأمين افضل نتائج من الحوار والتمكن من تطبيقها.

لماذا الحوار في باريس، وما الذي يميز الدور الفرنسي في الحوار اللبناني؟

-اولا هنالك عوامل عدة تشابكت لتعطي الدور الفرنسي فرصة حقيقية للنجاح، فهنالك متغير داخلي فرنسي عبر انتخاب الرئيس ساركوزي الذي يريد ان يطلق ديناميكية جديدة في المتوسط تحمل اسمه، وهي مبادرة الاتحاد المتوسطي. وقد يكون لبنان المدخل الاسلم والطبيعي لاعطاء الدور الفرنسي المصداقية الشاملة عبر المتوسط.
ثانيا ان النجاح الدبلوماسي الذي حققه ساركوزي في القمة الاوروبية الاخيرة، جعل منه النجم الاوروبي الاكثر تألقا واعطى مبادرته الدولية زخما كبيرا.

ثالثا هناك ديناميكية فرنسية جديدة للتواصل بين الاطراف اللبنانيين والاقليميين، اظهرت للجميع ان فرنسا تستطيع ان تلعب دور الوسيط الشريف. هذا لا يعني بالطبع تخليا فرنسيا عن الثوابت التي على اساسها تتحرك الدبلوماسية الفرنسية، او ليس هناك تغير في العمق بما يخفض الالتزام الفرنسي الكامل لدعم مسائل السيادة والاستقلال والديمقراطية، والمحافظة على حقوق الانسان وتفعيل دور المجتمع المدني.

رابعا ان جميع الاطراف اللبنانيين في مأزق، وتأتي المبادرة الفرنسية في وقتها، وهي تسمح للجميع بايجاد مخرج لائق.

خامسا ان الفرنسيين حذرون جدا من الايحاء بان مبادرتهم هي لحل المشكلة جذريا. وهذا طمأن الجميع الى ان ذهابهم الى باريس لن يكون بالنسبة اليهم الوصول الى نقطة اللا رجوع او القفز في المجهول، لان الفرنسيين يعتمدون سياسة الخطوة خطوة وبناء الثقة بين الاطراف تدريجيا. ومن اجل ذلك، أي هدف بعيد المنال يتم تحديده مسبقا، من شأنه ان يخلق التشنج والريبة والحذر. كل هذه المعطيات تعطي الفرنسيين الدور المميز في عملية تسهيل الحوار.

ما ميزة ان تضم اليوم طاولة الحوار اللبناني وللمرة الاولى شخصيات اكاديمية علمية ومنبثقة من المجتمع المدني، وعدم حصر المشاركة في النواب والوزراء الذين كانوا يشاركون في حوارات بيروت؟

-اولا هنالك تمنٍّ فرنسي باشراك شخصيات غير سياسية ممثلين عن الاطراف المختلفين، انسجاما مع اهداف الحوار الذي عليه ان يتخطى اللعبة الخشبية المعروفة التي تربط حكما الاطراف بمفردات وادبيات معروفة ومستهلكة.

ويعتقد الفرنسيون ان توسع المشاركة الى الشخصيات غير السياسية يسمح باستنباط مقاربات حلول متحررة وخلاّقة، من دون ان تربط في شكل نهائي الاقطاب. كما ان جدول الاعمال يتناول قانون الانتخابات. لذا
دعوة ممثلين عن لجنة قانون الانتخاب النيابي. من جهة اخرى، ابدى الاقطاب تجاوبهم مع الرغبة الفرنسية، وانتدبوا ممثلين عنهم يتمتعون بالمواصفات المطلوبة.

من هنا السؤال عن الدور التفاوضي والمنطلق الذي تمثلونه بمشاركتكم في الحوار اللبناني في باريس. ما هي ابرز النقاط التي تسعون الى تسليط الضوء عليها واعتمادها في سلم الاولويات؟
-هذه الاولويات تتلخص في ما يلي :
اولا التأكيد على ضرورة تنفيذ ما اتفق عليه في طاولة الحوار السنة الماضية في بيروت. الاعلان عن الالتزام بتنفيذه من شأنه ان يعزز الثقة لدى كل الاطراف بفعالية كل اتفاق سيتوصلون اليه. وهذا يؤسس للحوارات الأخرى.
ثانيا ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، والاتيان برئيس قوي يمثل المسيحيين تمثيلا صحيحا وتكون له حيثية محلية ودولية.

ثالثا اذا كان لا بد من توسيع او تغيير الحكومة، فينبغي حصر مهمتها في تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، بحيث لا تكون باي شكل من الاشكال حلا رديفا للانتخابات الرئاسية.

رابعا من الضروري ان يعطي القانون الانتخابي افضل تمثيل ممكن لجميع اللبنانيين ويؤمن انتخاب اكبر نسبة ممكنة من النواب المسيحيين بالاصوات المسيحية. اما النقاط الاخرى والمهمة جدا، والمتعلقة بسلاح حزب الله، فهي مرتبطة اساسا بالاستراتيجية الدفاعية اللبنانية التي لدى الرئيس الجميل تصور كامل لها، وموقفه عام 2007 يحمل وجع اغتيال ابنه بيار الجميل الذي واكب الرئيس الجميل في حوار العام 2006، وهو الغائب الاكبر عن طاولة الحوار اللبناني في باريس. وعلى المدى المتوسط يسعى الرئيس الجميل الى تحويل لبنان برمته مساحة عالمية للحوار. وقد رفع ورقة عمل في هذا الشأن الى الامين العام للامم المتحدة سيتم طرحها في حوار باريس، فماذا تكون النتائج؟


"المسيرة": 15/07/2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire