مقابلة د. سليم الصايغ ل"نهار
الشباب" (20-08-2009)
يصنّف حزب الكتائب اللبنانية بأنه من أحزاب اليمين، فتموضعه السياسي
والعسكري خلال الحرب اللبنانية دعّم هذا التصنيف وبرّره. وفي هذا المجال يؤكد نائب
رئيس الحزب الدكتور سليم الصايغ "أن الكتائب هي أول اليساريين من ناحية
الممارسة في الحفاظ على العائلة والنسيج الإجتماعي والقيم الروحية"، رافضاً
"تصنيف الكتائب اليوم في الإطار اليميني، ففكرنا الأساسي مبني على مبادئ
الديموقراطية الإجتماعية التي تتخطى في العالم تصنيفات اليمين واليسار التي لم تعد
موجودة". وأضاف: "طبيعة العولمة ونهاية الحرب الباردة دفعتا العالم إلى
خلط الأوراق، ونحن اليوم متأثرون كثيرا بالعقيدة الإجتماعية للكنيسة التي أطلقها
البابا يوحنا بولس الثاني والتي يشير فيها إلى ان الرأسمالية المتوحشة تشكّل خطرا
كما الإشتراكية الماركسية. لذلك نحن نقول في ما يتعلق بالقضايا السياسية الكيانية
اننا أكثر المحافظين، أما في ما يتعلق بالقضايا الإجتماعية والإقتصادية فنحن أكثر
الإشتراكيين". وعن ملاءمة هذه المصطلحات مع الوضع اللبناني يقول الصايغ
"هذه المصطلحات اليوم أكبر من لبنان وإذا أردنا إعادة اختراعها فبالتأكيد يجب
ألاّ أن نذكّر بالعهد السوفياتي ولا بأوسمة لينين ولا بما كان عليه الماضي
النموذجي الستاليني أوالبريجنيفي الذي يتغنى به البعض. فحتى في روسيا يعتبر التغني
باليسار الذي كان موجودا في ذلك الوقت إهانة للنظام الروسي. هناك أحلام نوستالجية
لزمن غابر لا يطابق الواقع". وأضاف: "الكل متفق في لبنان أكان في اليمين
أو اليسار التقليدي أو الفكري، على ضرورة أن تكون الدولة اللبنانية الحكم والقادرة
على تحرير المبادرة الفردية والإستثمارات وأن تطلق العنان للإقتصاد الحر من جهة
وتشرف من جهة أخرى على توزيع الثروات وتوفير فرص العمل... أما الخلاف فهو سياسي
بامتياز حول مكونات الدولة وليس حول السياسة الإقتصادية أو الإجتماعية". ولفت
قائلا "إن السياسة الإقتصادية حاليا هي التي تتحكم أساسا بالتناطح على
البرامج السياسية، فأين هو البرنامج السياسي للذين يقولون باليسار وفي المقابل أين
هو البرنامج المتكامل لمن يدعون اليمين". أما عن خطاب جنبلاط فرأي الصايغ أنه
"لا يمت إلى اليسار بصلة. فماذا لديه من اليسارية؟ حجم الفلاحين أم الدعم
الذي قدمه لهم وللصناعة؟ أين هي البرامج اليسارية التي تحمي الزراعة والقطاعات
الانتاجية واليد العاملة الداخلية وتكبّر حجم الإقتصاد فتخلق فرص العمل؟".
وأضاف: "أنا اتحدث في الفكر وليس في السياسة ولن أعلق على الموقف السياسي
لأنه برأيي لم يكتمل بعد، فنحن نعلّق عندما تكتمل الصورة والخطوات". ولاحظ أن
هناك عودة إلى مصطلحات الحرب اللبنانية متسائلا "هل وليد جنبلاط شيوعي أكثر
من جورج حاوي واشتراكي أكثر من سمير قصير؟ هل يقبلان اليوم بخطابه بعدما دفعا دما
ثمنا لمواقفهما؟ وهل اليسار الديموقراطي والحزب التقدمي الإشتراكي نفسه يتبنى خطاب
وليد جنبلاط؟ هل مروان حماده يقبل بهذا الموقف؟"، سائلاً "هل جاء هذا
الخطاب نتيجة نقاش إيديولوجي عقائدي حول رؤية الحزب لليسار الجديد قبل أن يقترحه
جنبلاط على اللبنانيين؟ إذا كان الوضع كذلك فنحن جاهزون للنقاش. لكن أن يكون الوضع
"تموضع نوستالجي" يأخذ من المضمون الماضي الشعار والرمز فقط ونقول إننا
سنحوّل الصراع في لبنان بين يمين ويسار لإنتاج ما كان في الماضي وتظهير المشكلة
على انها بين الحركة الوطنية التي تريد الإصلاحات في الحكم، وبين اليمين اللبناني
المتزمت المتشدد الإنعزالي الذي يريد أن يحافظ على امتيازات المسيحيين، اذا كان
هذا هو الوضع القائم في البلد خلال الـ 15 عاما من الحرب فليكن. ولكن اليوم كل
القراءات الحقيقية تبرز جيّدا أن الوضع ليس كذلك". وعن الهدف من خطاب جنبلاط
قال "برأيي الهدف هو تحقيق تموضع جديد على الساحة اللبنانية مع إعطائه نوعاً
من "الفذلكة" العقائدية. هذا التموضع يتطلب تحويل الأنظار عن الوضع وعن
المسألة الأساسية والمركزية التي نواجهها اليوم وهي أنه لدينا دويلة داخل الدولة
اللبنانية". وأضاف: "لا أعتقد ان الزعامات قادرة على أن تقبض على
جمهورها وتلتف على ثوابتها بنحو 180 درجة لأن الجمهور ليس غنما. وأعتقد ان لجنبلاط
من الحكمة ما يجعله يدرك أنه لا يستطيع أن يأخذ جمهوره إلى أي مكان". وأشار
ان "لجنبلاط فضلاً كبير في ثورة الأرز ولا يستطيع أحد أن يوقفها فهي مسيرة
بناء الوطن. وعندما يعلن وليد بك أنه مع الرئيس فأنا أرى أنه يأخذ معه كل إيجابيات
14 آذار ليطعّم بها الدولة وليس العكس. ربما يكون إضعاف 14 آذار بهدف كسب مشروع
الدولة عبر وليد جنبلاط، وهذه قد تكون إحدى النتائج الإيجابية والاستراتيجية لهذا
المشروع، وربما لا فلننتظر حتى تكتمل المواقف". وختم الصايغ: "أعتقد انه
لن يكون للحالة الجنبلاطية تأثير على الفكر السياسي اللبناني وعلى إعادة اختراع
اليمين واليسار، لأنها لم تأت وليدة مخاض داخلي لا في الحزب الإشتراكي ولا على
الساحة اللبنانية. فلم نرَ نقاشا أكاديميا كما لم نر نقاشا للمجتمع المدني يحمل
هذه الأفكار الجديدة"، مضيفا: "ان أكبر إحراج قد يعطى اليوم لأساتذة
العلوم السياسية هو عندما يطلب إليهم شرح المضمون الحقيقي لليمين واليسار في
لبنان. هناك تصنيفات تاريخية أصبحت بالية اليوم ولن أكون أسير التسميات بين اليمين
واليسار لأنها لم تعد تطابق الآمال والطموحات والواقع السياسي في العالم
كله".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire